وقد اختلف العلماء في الأفضل في صلاتها فرادى أو جماعة؟ في البيت أو في المسجد؟ فقال الشافعي وجمهور أصحابه وأبو حنيفة وأحمد وبعض المالكية: الأفضل صلاتها في جماعة في المسجد، كما فعله عمر بن الخطاب والصحابة رضي اللَّه عنهم واستمر عمل المسلمين عليه، ولأنه من الشعائر الظاهرة فأشبه صلاة العيد. قال ابن التين وغيره: استنبط عمر ذلك من تقرير النبي صلى الله عليه وسلم من صلى معه في تلك الليالي، وإن كان كره ذلك لهم فإنما كرهه خشية أن يفرض عليهم، فلما مات النبي صلى الله عليه وسلم حصل الأمن من ذلك، ورجح عند عمر ذلك لما في الاختلاف من افتراق الكلمة، ولأن الاجتماع على واحد أنشط لكثير من المصلين.
وقال ابن بطال: قيام رمضان سنة، لأن عمر إنما أخذه من فعل النبي صلى الله عليه وسلم وإنما تركه النبي صلى الله عليه وسلم خشية الافتراض.
وبالغ الطحاوي، فقال: إن صلاة التراويح في الجماعة واجبة على الكفاية.
وعن مالك في إحدى الروايتين وأبي يوسف وبعض الشافعية أن الصلاة في البيوت أفضل، عملاً بعموم قوله صلى اللَّه عليه وسلم:"أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة". وهو حديث صحيح رواه البخاري ومسلم.
ويحاول بعض القائلين بهذا القول أن يوجهوا ما جاء في الرواية الخامسة والسادسة من أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في المسجد، ليجمعوا بين ما هنا وبين ما رواه البخاري قبيل صفة الصلاة عن عائشة قالت: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل في حجرته وجدار الحجرة قصير، فرأى الناس شخص النبي صلى الله عليه وسلم، فقام ناس يصلون بصلاته، فأصبحوا فتحدثوا بذلك، فقام الليلة الثانية فقام معه ناس يصلون بصلاته، صنعوا ذلك ليلتين أو ثلاثًا، حتى إذا كان بعد ذلك جلس رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فلم يخرج، فلما أصبح ذكر ذلك للناس فقال:"إني خشيت أن تكتب عليكم صلاة الليل" وما رواه البخاري عن عائشة: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان له حصير يبسطه بالنهار ويحتجره بالليل، فثاب إليه ناس فصلوا وراءه".
قالوا: إن الذي حدث أنه صلى اللَّه عليه وسلم أمر عائشة - كما جاء عند أحمد - أن تنصب له حصيرًا على باب حجرتها، ففعلت، فخرج ... إلخ. فالحصير وإن كان قد نصب في المسجد لكنه إذا احتجر صار كأنه بيت بخصوصه وذلك لئلا يلزم أن يكون صلى اللَّه عليه وسلم تاركًا للأفضل الذي أمر به الناس حيث قال:"فصلوا في بيوتكم فإن أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة".
ويجيب الجمهور بأنه محمول على ما لا يشرع فيه الجماعة، أي أفضل صلاة المرء التي لا تشرع فيها الجماعة ما تكون في بيته، أو المراد من المكتوبة ما يشرع فيه الجماعة، فالمعنى أفضل صلاة المرء في بيته إلا ما شرع فيه الجماعة.
وهناك قول آخر لبعض الشافعية، وهو: من كان يحفظ القرآن، ولا يخاف من الكسل، ولا تختل الجماعة في المسجد بتخلفه، فصلاته في الجماعة والبيت سواء، فمن فقد بعض ذلك فصلاته في الجماعة أفضل.