وزوجته في حجرة واحدة وعلى فراش لا يسع غير اثنين، وعلى قدر فهمه وجد العرض فرصة لا تعوض ليراقب ويرى كيف يعبد الرسول صلى الله عليه وسلم ربه في الليل، وأبدى الموافقة والاستجابة، إنه لن ينام وسيتظاهر بالنوم لكنه يخشى أن يغلبه النوم، فهمس في أذن خالته يقول لها: إذا أنا نمت وقام رسول الله صلى الله عليه وسلم من نومه فأيقظيني. قام رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى القربة فغسل يديه ووجهه وذكر الله تعالى، ثم جاء فنام هو وزوجه في طول الوسادة التي لا تتسع لثالث، ونام الصبي مشكلاً معهما شكل ضلعين يلتقيان في زاوية، في الوسادة من عرضها، قد يكون على فراش وقد لا يكون، فهذا أمر لا يحسب له حساب.
وحول منتصف الليل قام صلى الله عليه وسلم والصبي لم ينم، قام إلى القربة المعلقة على وتد في الحائط فحل رباطها، ثم أفرغ منها ماء قليلاً في إناء ثم أفرغ من الإناء على يديه فتوضأ وضوءًا حسنًا دون إسراف، ثم أخذ يذكر الله تعالى ويثني عليه ويدعوه، كل ذلك والغلام يرقبه ويعي كل حركة وكل قول: وخشي أن يكتشف صلى الله عليه وسلم أن الغلام يقظ رقيب في خفاء، فتمطى وتظاهر بالقلق من النوم، فأيقظه صلى الله عليه وسلم، فأعلن عن اليقظة، وقام فصنع مثل ما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقام صلى الله عليه وسلم يصلي صلاة الليل، فقام الغلام بجواره يصلي بصلاته جماعة، لكنه وقف يسار الإمام، فمد رسول الله صلى الله عليه وسلم شماله وأمسك بيمين الغلام وحوله من وراء ظهره إلى يمين الإمام، وصلى به ركعتين طويلتين طويلتين طويلتين، ثم صلى ركعتين دون الأوليين، وهكذا أخذ يخفف كل ركعتين عن اللتين قبلهما حتى أتم عشر ركعات ثم أوتر بواحدة، وكان صلى الله عليه وسلم بما جبل عليه من رأفة ورحمة يشفق على الغلام من طول الصلاة في وقت النوم، فكان بين الحين والحين يضع يده على رأس الغلام أو يفتل أذنه ليبعث فيه اليقظة والانتباه والنشاط، فلما انتهيا من الصلاة نام صلى الله عليه وسلم حتى نفخ وظهر صوت نفسه، والغلام متيقظ حتى جاء الفجر وجاء بلال يعلن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصلاة، فقام صلى الله عليه وسلم يصلي ركعتين خفيفتين سنة الصبح، ثم خرج إلى المسجد والغلام معه فصليا مع المسلمين الفجر. وهكذا نقلت إلينا السنة النبوية قولاً وفعلاً بدقة وعناية وتمام حرص حتى الأدعية والأذكار، فصلى الله وسلم على من بلغ الرسالة وأدى الأمانة ورضي الله عن الصحابة حملة الشريعة ومصابيح الظلام.
-[المباحث العربية]-
(بت ليلة عند خالتي ميمونة) بنت الحارث أخت لبابة بنت الحارث زوجة العباس بن عبد المطلب أم عبد الله بن عباس - رضي اللَّه عنهما.
(فأتى حاجته) فسرها في الرواية بقوله: "فبال".
(ثم غسل وجهه ويديه) قال النووي: هذا الغسل للتنظيف والتنشيط للذكر وغيره. اهـ.
ويمكن جعله كناية عن الوضوء كاملاً، لتتفق مع الرواية السادسة وفيها: "ثم أتى القربة فحل