وقد خاض العلماء في الأفضل من تطويل القراءة أو كثرة السجود - وقد مرت المسألة في بابها، وخلاصتها أن الأفضلية تختلف باختلاف المصلي ومدى خشوعه وإخلاصه في أي منهما.
وظاهر حديث حذيفة يتعارض مع ظاهر حديث ابن عباس في الباب السابق، ومع ما علم من صلاته صلى اللَّه عليه وسلم، ولهذا يقول الحافظ ابن حجر: هذه القراءة إنما تتأتى في نحو من ساعتين، فلعله صلى اللَّه عليه وسلم أحيا تلك الليلة كلها، وأما ما يقتضيه حاله في غير هذه الليلة فإن في أخبار عائشة كان يقوم قدر ثلث الليل، وفيها أنه كان لا يزيد على إحدى عشرة ركعة. اهـ.
-[ويؤخذ من الحديث: ]-
١ - قال القاضي عياض: فيه دليل لمن يقول: إن ترتيب السور اجتهاد من المسلمين حين كتبوا المصحف، وأنه لم يكن ذلك من ترتيب النبي صلى الله عليه وسلم، بل وكله إلى أمته بعده. قال: وهذا قول مالك وجمهور العلماء، واختاره أبو بكر الباقلاني، وهو أصح القولين مع احتمالهما. قال: والذي نقوله: إن ترتيب السور ليس بواجب في الكتابة ولا في الصلاة ولا في الدرس ولا في التلقين والتعليم، وأنه لم يكن من النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك نص ولا حد تحرم مخالفته، ولذلك اختلف ترتيب المصاحف قبل مصحف عثمان. قال: واستجاز النبي صلى الله عليه وسلم والأمة بعده في جميع الأعصار ترك ترتيب السور في الصلاة والدرس والتلقين. قال: وأما على قول من يقول من أهل العلم: إن ذلك بتوقيف من النبي صلى الله عليه وسلم حدده لهم كما استقر في مصحف عثمان، وإنما اختلفت المصاحف قبل أن يبلغهم التوقيف والعرض الأخير، فيتأول قراءته صلى اللَّه عليه وسلم النساء أولاً ثم آل عمران هنا على أنه كان قبل التوقيف والترتيب، وكانت هاتان السورتان هكذا في مصحف أبي. قال: ولا خلاف أنه يجوز للمصلي أن يقرأ في الركعة الثانية سورة قبل التي قرأها في الأولى، وإنما يكره ذلك في الركعة، ولمن يتلو في غير صلاة. قال: وقد أباحه بعضهم وتأول نهي السلف عن قراءة القرآن منكوسًا على من يقرأ من آخر السورة إلى أولها.
قال: ولا خلاف أن ترتيب آيات كل سورة بتوقيف من اللَّه تعالى على ما هي عليه في المصحف، وهكذا نقلته الأمة عن نبيها صلى الله عليه وسلم.
هذا آخر كلام القاضي عياض نقله الإمام النووي.
وننبه إلى أن تجويز القاضي القراءة مع عدم ترتيب السور ونقله عن البعض الإباحة ليس معناه استواء الأمرين، الترتيب وعدم الترتيب، فلا خلاف في أن الأولى - إن لم يكن المستحب - القراءة بالترتيب، ولو خروجًا من خلاف من أوجبه، ولو اتباعًا لمصحف عثمان، ولو حماية من الاختلاف في صورة القرآن الكريم بعامة.
٢ - وفيه استحباب القراءة بترسل لكل قارئ في الصلاة وغيرها، والتسبيح إذا مر بآية تسبيح، والاستعاذة إذا مر بتعوذ، والسؤال إذا مر بسؤال. قال النووي: ومذهبنا استحباب ذلك للإمام والمأموم والمنفرد.