للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

يمسكها؟ وما الأسلوب الذي يحافظ به صاحبها عليها؟ إنه العقل والحبل، وإذا بركت وثنت ساقها على فخذها قام صاحبها فربط الساق مع الفخذ بحبل كالحلقة، فإذا أرادت النهوض والقيام عجزت فهو مادام متعاهدًا لها، رابطًا أرجلها وعاقلها فهو ممسك لها محافظ عليها، وإن أهملها وأهمل عقالها ذهبت وضاعت منه، وكذلك حامل القرآن، إن عاهد عليه وحافظ على تلاوته ظل محتفظًا به في صدره ذاكرًا له، وإن أهمل تلاوته واستذكاره نسيه وبئس ما فعل، ويا خيبة من غنم بجهد، وحصل فضلاً كبيرًا بعناء ثم أضاع الغنيمة والفضل الجليل بتهاون وإهمال.

ولا يليق بمن أصابته هذه المصيبة أن يفخر بحصولها، ولا أن يتشدق بها، فإذا بليتم فاستتروا، وإن التصريح بقول: نسيت آية كذا أو سورة كذا مما كنت أحفظ مشعر باستهانة الإنسان بما نسي، فلو كان مهتمًا به حريصًا عليه ما نسيه، ومن اهتم بشيء حرص عليه، ومن حرص على شيء عض عليه بالنواجذ وقام عليه بالليل والنهار.

-[المباحث العربية]-

(سمع رجلاً يقرأ من الليل) في الكلام مضاف محذوف، أي سمع صوت وقراءة رجل، وجملة "يقرأ" في محل نصب صفة لرجل، و"من" ظرفية بمعنى "في" ولم يثبت لدينا مقروء الرجل ما هو؟ والظاهر أن الرجل هو عباد بن بشر الصحابي الجليل، فقد روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها: قالت: "تهجد النبي صلى الله عليه وسلم في بيتي فسمع صوت عباد يصلي في المسجد فقال: يا عائشة. أصوت عباد هذا؟ قلت: نعم. قال: اللهم ارحم عبادًا" وذكر البخاري هذه الرواية على أنها زيادة على مثل روايتنا مبينة لاسم القارئ. وقيل: إنه عبد الله بن يزيد أخذًا من رواية أخرى، ويجوز أن تكون القصة قد تكررت.

(يرحمه اللَّه) في الرواية الثانية "رحمه الله". وسواء أكان بالفعل المضارع أو بالفعل الماضي فالجملة خبرية لفظًا إنشائية معنى، أي اللهم ارحمه.

(أذكرني كذا وكذا آية) وفي الرواية الثانية "لقد أذكرني آية". و"كذا" كما في مغني اللبيب: كلمة واحدة مركبة من كلمتين مكنيًا بها عن غير عدد، وتستعمل غالبًا معطوفًا عليها. اهـ. وهي مبنية.

(كنت أسقطتها من سورة كذا) أي كنت أسقطتها نسيانًا لا عمدًا، فهي بمعنى رواية "كنت أنسيتها".

(إنما مثل صاحب القرآن كمثل الإبل المعقلة) "إنما" هي "إن" التي تدخل على المبتدأ والخبر فتنصب المبتدأ وترفع الخبر، دخلت عليها "ما" فكفتها ومنعتها من العمل، ولذا يطلق على "إنما" عبارة كافة ومكفوفة. وهي تفيد الحصر، أي قصر ما يليها على ما بعده، فهنا قصرنا شبه صاحب القرآن على شبه صاحب الإبل المعقلة، ولما كان لصاحب القرآن أشباه أخرى غير هذا الشبه كان القصر إضافيًا، أي بالنسبة إلى الحفظ بالتلاوة والنسيان بالترك. وفي روايتنا مضاف محذوف صرح

<<  <  ج: ص:  >  >>