وذهب الجمهور إلى أنه واجب على جميع المكلفين، وهو ظاهر نص الإمام الشافعي في الأم، واستدلوا على ذلك بإثم الجميع بتركه، ولو لم يكن واجبا عليهم كلهم لما أثموا بالترك. وفي المسألة بحث طويل يطلب من محله.
ومعنى كونه فرض كفاية أنه إذا قام به البعض سقط الحرج عن الباقين، وإذا تركه الجميع أثم كل من تمكن منه بلا عذر ولا خوف، وقد يكون الأمر بالمعروف فرض عين، كما إذا كان في موضع لا يعلم به إلا هو، أو لا يتمكن من إزالته إلا هو، كمن يرى زوجته أو ابنه على منكر.
وقد أوضح الحديث أن إنكار المنكر على درجات مرتبة، على معنى أنه تجب الدرجة الأولى وهي التغيير بالجوارح لمن قدر عليها، ولا يغني عنه الاكتفاء بالدرجة الثانية والاقتصار على اللسان الذي لا يغير المنكر مع القدرة على الدرجة الأولى.
وليس معنى ذلك أن المكلفين مطالبون باستعمال جوارحهم قبل استعمال ألسنتهم، بل الواجب استعمال الأخف أولا، فإذا لم ينجح في تغيير المنكر استعمل ما فوقه شدة، فيبدأ مثلا بالتعريف وتنبيه المرتكب إلى أن ما يرتكبه منكر، فقد يقدم على المنكر الجاهل بأنه منكر، فإذا عرف أنه منكر تركه، كمن لا يحسن الصلاة.
فإذا لم ينفع التعريف في تغيير المنكر انتقل إلى النهي والوعظ والنصح والتخويف، فإذا لم تنجح هذه الوسيلة في تغيير المنكر مع القدرة على منعه بالجوارح وجب استعمال الجوارح.
فالآمر بالمعروف والناهي عن المنكر ينبغي أن يكون كالطبيب مع المريض، كل همه العلاج من أسهل الطرق، فإذا كان لا بد من الكي والبتر من أجل صلاح باقي الجسم وجب الكي والبتر.
وفي حد الاستطاعة التي يتعرض لها الحديث بقوله:"فإن لم يستطع" خلاف بين العلماء فمنهم من يذهب إلى وجوب تحمل الأذى في سبيل الأمر بالمعروف إلا أن يصل إلى الخوف على النفس، بل منهم من يرى الإنكار بكل حال وإن قتل ونيل منه كل أذى، وبعضهم يرى أن خوف المكروه يحقق عدم الاستطاعة.
والتحقيق أن الأمر يختلف باختلاف نوع الأذى، ومدى احتماله، ونوع المنكر، ومدى خطورته، والأثر الحسن أو القبيح المترتب على هذا الإنكار.
وللإمام الغزالي في هذا المقام كلام نفيس نلتقط منه بعضه، قال -رحمه الله- واعلم أنه لا يقف سقوط الواجب على العجز الحسي، بل يلتحق به ما يخاف عليه مكروها يناله فذلك في معنى العجز، وكذلك إذا علم أن إنكاره لا ينفع، فإن اجتمع المعنيان، بأن علم أن كلامه لا ينفع، وخاف أن يضرب إن تكلم فلا يجب عليه الأمر بالمعروف، فإن علم أن إنكاره لا يفيد لكنه لا يخاف مكروها فلا تجب عليه الحسبة لعدم فائدتها، ولكن تستحب لإظهار شعائر الإسلام وتذكير الناس بأمر الدين، وذهب بعضهم إلى وجوبها بناء على أن الواجب الأمر بالمعروف لا القبول، قال تعالى:{ما على الرسول إلا البلاغ}[المائدة: ٩٩].