فإن علم أنه يصاب بمكروه، ولكن يبطل المنكر بفعله، فهذا ليس بواجب وليس بحرام بل هو مستحب.
ثم قال: ويستحب له أن يعرض نفسه للضرب والقتل إذا كان لحسبته تأثير في رفع المنكر، أو في كسر جاه الفاسق، أو في تقوية قلوب أهل الدين، وأما إذا رأى فاسقا متغلبا وعنده سيف، وبيده قدح، وعلم أنه لو أنكر عليه لشرب القدح، وضرب رقبته، فهذا مما لا أرى للحسبة فيه وجها، وهو عين الهلاك، وتعريض النفس للهلاك من غير أثر لا وجه له، بل ينبغي أن يكون حراما، وإنما يستحب له الإنكار إذا قدر على إبطال المنكر، أو ظهر لفعله فائدة، وذلك بشرط أن يقتصر المكروه عليه، فإن علم أنه يضرب معه غيره من أصحابه أو أقاربه فلا تجوز له الحسبة، بل تحرم.
ثم قال: والظن الغالب في هذه الأبواب في معنى العلم. اهـ بتصرف.
والمقصود من تغيير المنكر بالقلب كراهيته ومقته وبغضه، إذ كل من أحب الله يكره معاصيه وينكرها، ومظاهر هذا الإنكار اكفهرار في الوجه أمامه، وعدم حضور موضعه، قال تعالى:{وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين}[الأنعام: ٦٨].
وظاهر الحديث أن إنكار المنكر باليد عام حيث قدر عليه الآمر، فيشمل إنكار الابن على أبيه، والزوجة على زوجها، والعبد على سيده، لكن هذا العموم يتعارض مع قوله في حق الولد مع والديه، {فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما}[الإسراء: ٢٣] وقوله: {وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا}[لقمان: ١٥].
وفي هذا يقول الغزالي: والذي نراه أن للولد الحسبة بالتعريف، ثم بالوعظ والنصح باللطف، وليس له الحسبة بالسب والتعنيف والتهديد ولا بمباشرة الضرب.
ثم قال: وهذا ينبغي أن يجري في العبد مع سيده، وفي الزوجة مع زوجها. اهـ.
وعموم الحديث في قوله "من رأى منكم منكرا" يشمل العالم والجاهل، فكل من يعلم أنه منكر يجب عليه أن ينكره، ولا يختص الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالعلماء وأصحاب الولايات.
كل ما في الأمر أن الذي يأمر وينهي هو العالم بما يأمر به وينهي عنه، وذلك يختلف باختلاف الآمر والمأمور به، فإن كان المأمور به من الواجبات الظاهرة كالصلاة والصيام، أو كان المنهي عنه من المحرمات الواضحة كالزنا والخمر، فكل المسلمين علماء بها، واجب على آحادهم كما هو واجب على علمائهم وإن كان وجوبه على العلماء بصفة أشد، إذ فيهم قوة الإنكار، ولهم تزيد الاستجابة، ومنهم تؤخذ أحكام الشريعة.
وإن كان المأمور به أو المنهي عنه من دقائق الأفعال والأقوال، كان الأمر بالمعروف واجب العلماء.