نبع من العاطفة المشروعة، والرحمة التي أنزلها الرحمن في قلوب الرحماء، والتي بها يتراحم الخلق.
ومن هذا القبيل بكاء النبي صلى الله عليه وسلم عند موت ابنه إبراهيم، وقوله: "إن القلب يجزع، والعين تدمع، ولا نقول ما يسخط الرب، وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون".
وبكاؤه صلى الله عليه وسلم عندما رفع إليه ابن ابنته وهو في حضرة الموت، وقوله في روايتنا الثانية: "هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء".
وبكاؤه صلى الله عليه وسلم وبكاء أصحابه عند عيادتهم لسعد بن عبادة في روايتنا الثالثة وقوله: "إن الله لا يعذب بدمع العين ولا بحزن القلب".
وبناء على هذا يحمل ما ورد من مؤاخذات على البكاء أو من نهي عنه على أنه لم يكن من هذا النوع، بل كان مصاحباً لممنوع شرعي، وإن اختلفت درجات المنع باختلاف الفعل.
فبكاء المرأة على قبر صبيها -في روايتنا السادسة- محمول على أنه كان مصاحباً للصراخ والعويل والهلع، وحال المرأة وردها العنيف على رسول الله صلى الله عليه وسلم وجواب الرسول صلى الله عليه وسلم بما يوحي أنها فقدت الصبر قرينة على ذلك.
وبكاء حفصة على أبيها -عمر رضي الله عنهما- كما ما جاء في روايتنا السابعة، وبكاء صهيب على عمر، كما جاء في روايتنا الحادية عشرة محمول على أنه كان مصاحباً للصراخ والصياح والعويل، بدليل ما جاء في روايتنا التاسعة: "لما طعن عمر أغمي عليه، فصيح عليه" وما جاء في روايتنا العاشرة: "جعل صهيب يقول: وا أخاه" وروايتنا الثانية عشرة: "أن عمر لما طعن عولت عليه حفصة".
وإذا كان دمع العين وحزن القلب مشروعاً عند موت عزيز، كان من غير المقبول عقلاً وشرعاً أن يعذب الله الميت بفعل مشروع للحي.
فلا يدخل مثل هذا قطعاً في الحديث "إن الميت ليعذب ببكاء الحي".
ثانياً: أفعال الجاهلية التي ورد النهي عنها وجاء فيها الوعيد الشديد حرام بإجماع العلماء، بل هي من الكبائر، ومنها ضرب الخدود، وشق الجيوب والدعاء بدعوى الجاهلية، ففي الصحيح: "ليس منا من ضرب الخدود، وشق الجيوب، ودعا بدعوى الجاهلية". رواه البخاري. وعند ابن ماجه وصححه ابن حبان: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن الخامشة وجهها، والشاقة جيبها، والداعية بالويل والثبور".
ومنها حلق المرأة شعر رأسها ورفع التراب، والصياح، والصراخ، والنياحة والندبة، والولولة، وتلطيخ الوجه بالأزرق، وشنق الرقبة بشق من الثياب، وغير ذلك كإحداد المرأة أكثر من ثلاث على غير زوج أو أكثر من أربعة أشهر وعشرة على زوج.