(ب) أو على معنى يعذب ببكاء أهله من أوصى بالنياحة، ولا يعذب ببكاء أهله من لم يوص، واعترض عليه بأن من أوصى عذب، سواء أعمل أهله بالوصية أم لم يعملوا. وأجيب بأن عذابه إن عملوا فوق عذابه إن لم يعملوا.
قال بهذا التأويل كثير من الشافعية وغيرهم. وقال السمرقندي: أنه قول عامة أهل العلم. ونقله النووي عن الجمهور، وهو مؤيد بحديث: "من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها، ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها". وموافق لظاهر قوله تعالى: {وليحملن أثقالهم وأثقالاً مع أثقالهم} [العنكبوت: ١٣] ولا يعترض عليه بقوله تعالى: {ولا تزر وازرة وزر أخرى} [الأنعام: ١٦٤] فإن العذاب حينئذ على وزر نفسه.
وقال الحافظ ابن حجر في ختام بحث هذه المسألة: ويحتمل أن يجمع بين هذه التوجيهات، فينزل على اختلاف الأشخاص، بأن يقال مثلاً: من كانت طريقته النوح فمشى أهله على طريقته، وبالغ فأوصاهم بذلك عذب بصنعه، ومن كان ظالماً فندب بأفعاله الجائرة عذب بما ندب به، ومن كان يعرف من أهله النياحة فأهمل نهيهم عنها، فإن كان راضياً بذلك التحق بالأول، وإن كان غير راض عذب بالتوبيخ كيف أهمل النهي، ومن سلم من ذلك كله، واحتاط فنهى أهله عن المعصية، ثم خالفوه وفعلوا ذلك كان تعذيبه تألمه بما يراه منهم، من مخالفة أمره، وإقدامهم على معصية ربهم. والله أعلم.
-[ويؤخذ من الأحاديث]-
١ - من إرسال إحدى بناته صلى الله عليه وسلم في الرواية الثانية جواز استحضار ذوي الفضل للمحتضر رجاء بركتهم ودعائهم.
٢ - وإخبار من يستدعى بالأمر الذي يستدعى من أجله.
٣ - وأمر صاحب المصيبة بالصبر قبل وقوع الموت، ليقع وهو مستشعر بالرضا، مقاوم للحزن بالصبر.
٤ - من عدم مبادرته صلى الله عليه وسلم بإجابة الدعوة جواز المبالغة في إظهار التسليم لله.
٥ - وأن من دعي لمثل ذلك، لم تجب عليه الإجابة، بخلاف الوليمة.
٦ - ومن إقسامها جواز الإلحاح، وقسم الرجاء في مثل هذه الأمور.
٧ - واستحباب إبراز القسم.
٨ - وعيادة المريض، ولو كان مفضولاً أو صبياً صغيراً.
٩ - ومن قيام سعد بن عبادة ومعاذ بن جبل مع النبي صلى الله عليه وسلم، جواز المشي إلى التعزية والعيادة بغير إذن صاحبها، بخلاف الوليمة.
١٠ - ومن سؤال سعد استفهام التابع من إمامه عما يشكل مما يتعارض ظاهره.
١١ - ومن بكاء الرسول صلى الله عليه وسلم جواز البكاء من غير نوح ونحوه.