للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بالصحابة، لأنهم كانوا ينطقون بالحكمة، بخلاف من بعدهم، ثم قال: والصواب أن ذلك يختص بالثقات والمتقين.

-[فقه الحديث]-

تشييع الجنازة فرض كفاية، ولا شك في عظم أجره، من حيث أنه مطلوب شرعي، وهل فيه قضاء حق لأولياء الميت، فلا ينصرف المشيع إلا بإذنهم؟ ذهب إلى هذا مالك رحمه الله، وله شاهد من أحاديث بأسانيد ضعيفة، منها ما أخرجه عبد الرزاق عن أبي هريرة قال: أميران وليسا بأميرين: الرجل يكون مع الجنازة يصلي عليها، فليس له أن يرجع حتى يستأذن وليها". ومنها ما أخرجه أحمد والبزار والعقيلي من حديث أبي هريرة مرفوعاً: "من تبع جنازة فحمل من علوها، وحثا في قبرها، وقعد حتى يؤذن له رجع بقيراطين".

والذي عليه معظم أئمة الفتوى أنه ليس على الجنازة إذن، ولكن من صلى ثم رجع فله قيراط.

والتشييع الكامل يبدأ بالانتظار حتى تخرج الجنازة من بيتها فيصاحبها إلى مكان الصلاة عليها، فيصلي عليها، ويصاحبها إلى حين تدفن ويغلق عليها قبرها ويدعو لها ثم ينصرف.

ولما كان التشييع بهذه الصورة لا يستطيعه كثير من المسلمين أشارت الأحاديث إلى تجزئة الأجر بتجزئته، فروايات الباب تجعل لنهاية الصلاة عليه أجراً، ولبقية التشييع أجراً.

وإذا كانت الرواية الثالثة والرابعة قد جعلتا القيراط أجراً لمن صلى عليها فإن الرواية الثانية ولفظها: "من شهد الجنازة حتى يصلي عليها والرواية السادسة ولفظها: "من خرج مع جنازة من بيتها، وصلى عليها". هاتان الروايتان تجعلان القيراط لمن خرج معها من بيتها إلى انتهاء الصلاة عليها. ومقتضاهما أن القيراط يختص بمن حضر من أول الأمر إلى انقضاء الصلاة وبهذا قال جماعة من العلماء، لكن الحافظ ابن حجر يقول: والذي يظهر لي أن القيراط يحصل أيضاً لمن صلى فقط، لأن كل ما قبل الصلاة وسيلة إليها لكن يكون قيراط من صلى فقط دون قيراط من شيع وصلى. اهـ وهذا تحقيق دقيق يعمل كل الأحاديث على ظاهرها. والله أعلم.

ومن شهدها من بيتها وصلى وتبعها حتى نهاية الدفن فله قيراطان كما هو صريح الرواية الثانية. وبهذا جزم كثير من العلماء، وجزم بعض المتقدمين بأن من شهد بعد الصلاة وحتى نهاية الدفن فله قيراطان غير قيراط الصلاة أخذاً من ظاهر الروايات الرابعة والخامسة والسابعة، وجمهور العلماء يوجه هذه الروايات بأن المراد منها قيراطان أي بالأول.

ومقتضى هذا أن القيراطين إنما يحصلان لمن كان معها في جميع الطريق حتى تدفن، فإن صلى مثلاً وذهب إلى القبر وحده فحضر الدفن لم يحصل له إلا قيراط واحد. قاله النووي.

ومقتضاه أن من اقتصر على التشييع فلم يصل ولم يشهد الدفن فلا قيراط له، وإن حصل له أجر آخر غير القراريط المذكورة.

<<  <  ج: ص:  >  >>