للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وهل القيراط الثاني متوقف على فراغ الدفن؟ أو يكفي لحصوله مجرد الوضع في اللحد؟ أو يكفي انتهاء الدفن دون انتظار إهالة التراب؟ قيل بكل ذلك، ووردت الأخبار بكل منها، والأول هو أصح الأوجه عند الشافعية.

وقد يستدل بعبارة "من تبع جنازة" الواردة في الباب من ذهب إلى أن المشي خلف الجنازة أفضل من المشي أمامها، لأن ذلك هو حقيقة الاتباع حساً وهو قول أبي حنيفة.

ورجح الجمهور المشي أمامها، وحملوا الاتباع هنا على الاتباع المعنوي أي المصاحبة، وهو أعم من أن يكون أمامها أو خلفها أو غير ذلك، وهو مذهب الشافعي ومالك وأحمد، قالوا: والأحاديث الواردة بالمشي خلفها غير ثابتة، قال البيهقي: الآثار في المشي أمامها أصح وأكثر. اهـ قالوا: ولأن الحي شفيع الميت، والشفيع يتقدم على المشفوع له.

وهناك من يرى التوسعة وعدم الالتزام، فيسوى بين أمامها وخلفها، فقد سئل أنس بن مالك عن المشي في الجنازة فقال: أمامها وخلفها وعن يمينها وشمالها. إنما أنتم مشيعون". قالوا: وذلك لما علم من تفاوت أحوال الناس في المشي، وقضية الإسراع بالجنازة أن لا يلزموا بمكان واحد يمشون فيه، لئلا يشق على بعضهم ممن يضعف في المشي عمن يقوى عليه.

لكن الأساس القرب من الجنازة، لأن من بعد عنها لا يصدق عليه أنه مشي أمامها أو خلفها فشرط القرب، فقد شهد عبد الرحمن بن قرط -وكان صحابياً من أهل الصفة وكان والياً على حمص في زمن عمر- ناساً تقدموا على الجنازة وآخرين استأخروا، فأمر بالجنازة فوضعت ثم رماهم بالحجارة حتى اجتمعوا إليه، ثم أمر بها فحملت، ثم قال: بين يديها وخلفها وعن يمينها وعن شمالها.

أما الركوب في تشييع الجنازة فقد قال العلماء: إن السنة لا يركب، لأن النبي صلى الله عليه وسلم ما ركب في عيد ولا في جنازة، هذا في الذهاب أما في العودة والانصراف فلا بأس به، وروايتنا المتممة للثلاثين صريحة في ذلك. والله أعلم.

-[ويؤخذ من الأحاديث فوق ما تقدم: ]-

١ - يؤخذ من الرواية الأولى الأمر بالإسراع بالجنازة، للحكمة التي ذكرها صلى الله عليه وسلم، قال ابن قدامة: إن الأمر فيه للاستحباب بلا خلاف بين العلماء. وشذ ابن حزم فقال بوجوبه. والمراد بالإسراع شدة المشي، وعلى ذلك حمله بعض السلف، وهو قول الحنفية. وعن الشافعي والجمهور المراد بالإسراع ما فوق سجية المشي المعتاد، ويكره الإسراع الشديد، ومال القاضي عياض إلى نفي الخلاف، فقال: من استحبه أراد الزيادة على المشي المعتاد، ومن كرهه أراد الإفراط فيه كالرمل. قال الحافظ ابن حجر: والحاصل أنه يستحب الإسراع لكن بحيث لا ينتهي إلى شدة يخاف معها حدوث مفسدة بالميت، أو مشقة على الحامل أو المشيع، لئلا ينافي المقصود من النظافة وإدخال المشقة على المسلم. وقال القرطبي: مقصود الحديث أن لا يتباطأ بالميت عن الدفن، لأن التباطؤ قد يؤذي، وربما أدى إلى التباهي والاختيال.

<<  <  ج: ص:  >  >>