وقد اختلف الفقهاء في الصبي والعبد والزوجة والنصاب، وفرق بعضهم بين أهل البادية وغيرهم.
أما الصبي: فظاهر أحاديث الباب أنها تجب عليه، ففي الرواية الثانية والخامسة "صغير أو كبير" فتجب على كل من استهل صارخاً قبل غروب شمس آخر يوم من رمضان وأدرك حياً جزءاً من شوال.
قال الحافظ ابن حجر: لكن المخاطب عنه وليه، فوجوبها على هذا في مال الصغير، وإلا فعلى من تلزمه نفقته. وهذا قول الجمهور. وقال محمد بن الحسن: هي على الأب مطلقاً، فإن لم يكن له أب فلا شيء عليه. وعن سعيد بن المسيب والحسن البصري: لا تجب إلا على من صام، واستدل لهما بحديث ابن عباس مرفوعاً:"صدقة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث". أخرجه أبو داود. قال النووي: وتعلق من يوجبها بأنها تطهير، والصبي ليس محتاجاً إلى التطهير لعدم الإثم. وأجاب الجمهور عن هذا بأن التعليل بالتطهير لغالب الناس، فإنها تجب على من لا ذنب له، كصالح محقق الصلاح؛ وككافر أسلم قبل غروب الشمس بلحظة، فإنها تجب عليه مع عدم الإثم.
ونقل ابن المنذر الإجماع على أنها لا تجب عن الجنين. قال: وكان أحمد يستحبه ولا يوجبه، ونقل بعض الحنابلة رواية عنه بالإيجاب، وبه قال ابن حزم لكن قيده بمائة وعشرين يوماً من يوم حمل أمه به، وتعقب بأن الحمل غير محقق وبأنه لا يسمى صغيراً عرفاً ولا لغة.
أما العبد فصريح أحاديث الباب أنها تجب عليه أو عنه، فلفظ الرواية الأولى "على كل حر أو عبد" ولفظ الرواية الثانية "على كل عبد أو حر" ولفظ الرواية الثالثة "حر ومملوك" وظاهرها إخراج العبد عن نفسه. ولم يقل به إلا داود فقال: يجب على السيد أن يمكن العبد من الاكتساب لزكاة الفطر، كما يجب عليه أن يمكنه من الصلاة. وخالفه أصحابه والعلماء، واحتجوا بحديث مسلم الذي مر في باب النصاب ومقدار الزكاة في الرواية السابعة ولفظها:"ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة". وفي الرواية الثامنة ولفظها:"ليس في العبد صدقة إلا صدقة الفطر". فهما صريحتان في أن الصدقة على السيد. وذهب بعض الشافعية أنها تجب ابتداء على العبد ثم يتحملها السيد. وهو قول حسن يجمع بين الروايات.
أما العبد الكافر فظاهر إطلاق "حر أو عبد" أن المسلم والكافر سواء وعلى السيد المسلم زكاتهما.
فقوله في الرواية الأولى:"من المسلمين" صفة للمخرجين، لا للمخرج عنهم، وقد روي أن ابن عمر كان يخرج عن أهل بيته حرهم وعبدهم، صغيرهم وكبيرهم، مسلمهم وكافرهم من الرقيق، وابن عمر هو راوي حديث:"من المسلمين" وهو أعرف الناس بمراد الحديث. بهذا قال عطاء والثوري والحنفية وإسحق، كما استدلوا بالعموم في حديث مسلم:"ليس في العبد صدقة إلا صدقة الفطر".
والجمهور على أنه لا يجب على السيد المسلم زكاة عبده الكافر، وعموم العبد الذي استدلوا به يقضى عليه الخصوص بقوله:"من المسلمين" فهي صفة للمخرجين والمخرج عنهم، وأما إخراج ابن عمر عن عبيده الكافرين -إن صح- فيحمل على أنه كان يخرج عنهم تطوعاً ولا مانع منه.