للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

واستمررن وازددن في الفساد والإفساد؟ كالقاتل الذي قتل الراهب، ليكمل به المائة، وحتى ولو أردن ذلك هل من الممكن تحقيقه؟ اللهم. لا.

لم لا تفسر الحديث "إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً" أي لا يقبله قبولاً يضاعف عليه الثواب؟ ويبقى أصل القبول قائماً؟ وبذلك نجمع بين قبول يأخذه الرحمن بيمينه، ويربيه ويضاعفه، وبين قبول لا يتصف بذلك، فنجمع بين صدر الحديث وعجزه.

ولنقرب المسألة مسترشدين بأقوال الفقهاء، لقد قال الجمهور: إن الحج من مال حرام صحيح، مسقط للفرض، مسقط للمطالبة به يوم القيامة. وأداء الزكاة الواجبة من عين مال محرم محقق للأداء، مسقط للمطالبة بها يوم القيامة. ثم كل الفقهاء يجمعون على أن الدين للآدمي إن أدي من مال حرام سقط، ولم يطالب به مرة أخرى ديناً وقانوناً، دنيوياً وأخروياً. وينحصر الإثم وتنحصر العقوبة في تحصيل هذا المال دون إنفاقه.

لماذا لا نفرق في مسألتنا بين إثم الاكتساب وبين حكم الإنفاق؟ لما لا نسمح بإنفاق هذا المال الحرام في وجوه الخير، ولو من قبيل احتمال أخف الضررين؟ أو تقديم أكبر المنفعتين؟ وحتى لو فرضنا أن ثواب هذه الصدقات سيذهب إلى المالك الأصلي الأول فإن المناول للصدقة أحد المتصدقين.

ولماذا لا نجعل لنية الخير والمعروف نصيباً في الثواب؟ ولماذا نحجر على فضل الله؟ ونقول: لا قبول ولا ثواب.

إن الحديث حين ذكر الرجل الذي يدعو ربه ومطعمه من حرام ومشربه من حرام، وملبسه من حرام، ومنبته من حرام، لم يجزم بعدم إجابة دعائه، بل استبعدها "فأنى يستجاب لذلك" والمستبعد منا قد يكون قريباً واقعاً من الله، بل أخبرنا الله بوقوعه للكافر الذي يأكل خيره، ويعبد غيره، ويأكل ويعيش في الحرام، حيث يقول: {وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه فلما نجاكم إلى البر أعرضتم وكان الإنسان كفوراً} [الإسراء: ٦٧]. {قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر تدعونه تضرعاً وخفية لئن أنجانا من هذه لنكونن من الشاكرين* قل الله ينجيكم منها ومن كل كرب ثم أنتم تشركون} [الأنعام: ٦٣، ٦٤].

فالحديث إنما يحث على الكسب الحلال، ولا يمنع قبول الدعاء ممن كسبه من حرام. والله أعلم.

فضل النفقة من أحب الأموال

لا شك أن الحب يقتضي أن يقدم الحبيب أحب الأشياء إلى المحبوب. والواجب على المؤمن أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، والصدقة إنما تقدم لله وتقرض لله وتقع في يد الله قبل أن تقع في يد المستحق، ومن هنا كان على المؤمن أن تكون صدقته من أحب أمواله إليه. وإلى هذا المعنى مال كثير من المفسرين في قوله تعالى: {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون} [آل عمران: ٩٢] فروي عن ابن عباس أن المعنى: "لن تنالوا

<<  <  ج: ص:  >  >>