للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ما عند الله من ثوابه في الجنة حتى تنفقوا مما تحبون من الصدقة، أي بعض ما تحبون من الأموال". كما روي عن ابن عمر: "أنه كان يشتري أعدالاً من السكر، ويتصدق بها، فقيل له: هلا تصدقت بثمنها؟ فقال: ألم تسمع هذه الآية: {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون} والسكر أحب إلي، فأردت أن أنفق مما أحب".

نعم روي عن الضحاك أن معناها: لن تدخلوا الجنة حتى تخرجوا زكاة أموالكم طيبة بها أنفسكم، فجعل الحب للإنفاق نفسه، لا لنوع النفقة، والتفسير الأول أقرب للصواب، وهو الذي فهمه الصحابة في الآية -رضي الله عنهم- وهو الذي أقره رسول الله صلى الله عليه وسلم حين فهم أبو طلحة هذا الفهم في الآية، وتصدق بأحب أمواله إليه، كان بستاناً عظيماً، به بئر، ماؤها من أحلى المياه، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخلها ويشرب من مائها.

لكننا لا نوافق على أن دخول الجنة، أو ثواب الصدقة بوجه عام موقوف على إخراج الأحب، بل يكفي أن تكون الصدقة من عامة المال ليثاب عليها، وإن كان التصدق من الأحب أكثر ثواباً بلا نزاع، ولا يتعارض هذا مع نهيه صلى الله عليه وسلم لمعاذ أن يأخذ كرائم الأموال في الصدقة، بقوله: "وإياك وكرائم الأموال". لأن هناك فرقاً كبيراً بين أن يخرج المؤمن طواعية ورغبة أحب أمواله وكرائمها، وبين أن تؤخذ منه أخذاً كواجب عليه، فالأول مندوب إليه، والثاني منهي عنه. وفي ظني أن الآية الكريمة لم تحث على إنفاق الأحب، وإن حملها الصحابة على ذلك، وإنما تحث على إنفاق المحبوب، بل بعض المحبوب؛ فهي بمفهومها تحذر من إنفاق المكروه المبغض، وتلتقي مع قوله تعالى: {ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه واعلموا أن الله غني حميد} [البقرة: ٢٦٧].

وقد استنبط العلماء من حديث تبرع أبي الدحداح ببستانه في روايته التاسعة من أحاديثنا عدة أحكام منها:

١ - أن الرجل الصالح قد يضاف إليه حب المال، وقد يضيفه هو إلى نفسه، وليس في ذلك نقيصة عليه.

٢ - وفيه رد لما روي عن ابن مسعود أنه قال: "لا تتخذوا الضيعة فترغبوا في الدنيا". وقد اتخذ الصحابة الضيعات والبساتين.

٣ - ومن قوله: "وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخلها ويشرب من ماء فيها". أخذ إباحة دخول العلماء البساتين.

٤ - ودخول بساتين الأصحاب في غيبتهم.

٥ - والشرب من ماء الصديق، وكذا الأكل من ثماره وطعامه من غير إذنه، إذا علم أن نفس صاحبه تطيب بذلك.

٦ - ومن قوله: "فضعها يا رسول الله حيث شئت ..... ". ومن قوله صلى الله عليه وسلم:

<<  <  ج: ص:  >  >>