"قد سمعت ما قلت فيها، وإني أرى أن تجعلها في الأقربين" فقسمها أبو طلحة في أقاربه". أخذ منه بعضهم أن الوكالة لا تتم إلا بالقبول، إذ الذي قام بتقسيمها أبو طلحة: وقال المهلب: دل الحديث على قبوله صلى الله عليه وسلم ما جعل إليه أبو طلحة، ثم رد الوضع فيها إلى أبي طلحة بعد مشورته عليه فيمن يضعها.
٧ - وفيه مشاورة أهل العلم والفضل في كيفية وجوه الطاعات وغيرها، والإنفاق من المحبوب.
٨ - وفيه أن الوقف صحيح، وإن لم يذكر سبيله.
٩ - ومن قوله: "فضعها يا رسول الله حيث شئت". جواز أمر الرجل لغيره أن يتصدق عنه، وكذلك إذا قال الآخر: خذ هذا المال فاجعله حيث أراك الله من وجوه الخير. قال مالك: وفي هذه الحالة لا يأخذ منه شيئاً وإن كان فقيراً. وقال غيره: جاز له أن يأخذه كله إذا كان فقيراً.
١٠ - وفيه صحة الصدقة المطلقة، وهو الذي لم يعين مصرفه، ثم بعد ذلك يعين.
١١ - وفيه جواز أن يعطي الواحد من الصدقة فوق مائتي درهم. لأن هذا الحائط مشهور أن ربحه يحصل للواحد منه أكثر من ذلك. قاله القرطبي. ولا فرق بين فرض الصدقة ونفلها في مقدار ما يجوز إعطاؤه للمتصدق عليه فيما ذكره الخطابي.
١٢ - وفيه أن الصدقة العظيمة يمدح صاحبها لقوله صلى الله عليه وسلم: "بخ. ذلك مال رابح".
١٣ - وفي الحديث دلالة للمذهب الصحيح أنه يجوز أن يقال: إن الله تعالى يقول كذا، كما يقال: قال الله تعالى كذا، خلافاً لما قاله مطرف بن عبد الله، إذ قال: لا يقال: الله تعالى يقول كذا، إنما يقال: قال الله تعالى كذا. خشية أن ينجر إلى استئناف القول، وقول الله قديم، ورد هذا القول بما جاء في القرآن الكريم من قوله تعالى: {والله يقول الحق وهو يهدي السبيل} [الأحزاب: ٤].
١٤ - وفيه استعمال ظاهر الخطاب وعمومه، لأن أبا طلحة حين سمع {لن تنالوا البر ... } [آل عمران: ٩٢] لم يحتج أن يقف حتى يرد عليه البيان عن الشيء الذي يريد الله عز وجل أن ينفق عباده منه. ولم ينتظر آية أو حديثاً يبين ذلك.
١٥ - قال النووي: وفيه أن القرابة يرعى حقها في صلة الأرحام وإن لم يجتمعوا إلا في أب بعيد، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أبا طلحة أن يجعل صدقته في الأقربين، فجعلها في أبي بن كعب وحسان بن ثابت، وإنما يجتمعان معه في الجد السابع. والله أعلم.
فضل النفقة بالقليل وعدم احتقاره
والأحاديث (٣٢)، (٣٣)، (٣٤)، (٣٥) تحث على الصدقة مهما قلت، وتمثل للقلة بشق التمرة، وتعد بأن هذا الشق يستر صاحبه من النار، ويقيه من حرها حينما لا يبعده عمله الصالح عنها، وحينما لا ينقذه من لهيبها عمله الذي يكون عن يمينه، وعمله الذي يكون عن شماله، يتلفت يميناً فلا يجد ما يحميه، ويتلفت شمالاً فلا يجد ما يحميه، لقد صور رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا المنظر عملياً كأنه أمامه، ذكر