للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الخوارج كافرون وإسنادنا بعض الشيعة للكفر، فهذه الحالة لا تدخل معنا في هذا الحديث، والتحرز منها أولى من الوقوع فيها.

(د) أن يقصد النسبة الحقيقية والسب والطعن، بغير تأويل، وهو يعلم النهي عن تكفير المسلم، وهذه الحالة هي المقصودة بالحديث، ولا شك أنها كبيرة، وللخوارج أن يتمسكوا بالحديث في تكفيرهم مرتكب الكبيرة.

ولما كان أهل السنة لا يكفرون المسلم بالمعاصي، كالقتل والزنا والسرقة والخمر، فإنهم لا يكفرونه بالسب واللعن، ولو كان بلفظ الكفر، ما دام هذا القائل لا يعتقد بطلان دين الإسلام، ولهم في تأويل هذا الحديث عدة أوجه:

الأول: أنه محمول على المستحل لذلك، وكل مستحل للكبيرة المعلوم حرمتها من الدين بالضرورة كافر، ويكون معنى الحديث: من استحل تكفير المسلم وكان المقول له مسلما في الواقع ونفس الأمر، فقد رجع عليه الكفر وبالتكفير صار كافرا.

قال الحافظ ابن حجر: وهذا الوجه بعيد من سياق الحديث.

الثاني: أن الحديث محمول على الخوارج الذين كفروا أجلة الصحابة وأمثال الخوارج ممن يكفرون من لا شبهة في إسلامهم، وهذا الوجه نقله القاضي عياض عن الإمام مالك بن أنس، قال الإمام النووي: وهو ضعيف لأن المذهب الصحيح المختار الذي قاله الأكثرون والمحققون أن الخوارج لا يكفرون، كسائر أهل البدع. اهـ.

وقال الحافظ ابن حجر: ولما قاله مالك وجه، وهو أن منهم من يكفر كثيرا من الصحابة لمن شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة وبالإيمان، فيكون تكفيرهم من حيث تكذيبهم للشهادة المذكورة، لا من مجرد صدور التكفير منهم بتأويل. اهـ.

والمحقق في دفاع الحافظ ابن حجر يجد هذا الوجه لا وجه له، لأن رد حديث الشهادة بالجنة لا يكفر لأنه غير متواتر، ولا يلزمه تكذيب النبي صلى الله عليه وسلم.

الثالث: أنه يخشى عليه من أن يؤول به هذا التكفير إلى الكفر، كما قيل: المعاصي بريد الكفر، أي واسطته وطريقه، فيخاف على من أدامها وأصر عليها أن يكون عاقبة شؤمها المصير إلى الكفر ولا يخفى ما في هذا الوجه من التكلف.

الرابع: أن المراد كفر النعمة، وقد ورد الكفر في الشرع بمعنى جحد النعم في حديث "يكفرن الإحسان، ويكفرن العشير" فكأن المعنى: من قال لأخيه: يا كافر فقد ترك شكر نعمة الإسلام، ولم يقم بحقها، ويضعف هذا الوجه أن الكفر حيث أطلق في لسان الشرع فهو جحد المعلوم من الدين بالضرورة.

الخامس: أن في الكلام مضافا محذوفا، والتقدير: فقد باء بها أي بإثمها ونقيصتها ومعصيتها أحدهما، وهذا الوجه قليل التكلف، ولا بأس به.

<<  <  ج: ص:  >  >>