للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

(عملت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فعملني) بتشديد الميم أي أعطاني عمالة، أجرة عملي.

-[فقه الحديث]-

تتعرض الأحاديث إلى سؤال الناس من الصدقة أو من العطاء، كما تتعرض تبعاً إلى إعطاء المعطي، وإلى أي مدى يعطي من ماله، وسنتكلم عن النقطة الثانية، لطول الكلام عن النقطة الأولى. والله ولي التوفيق.

١ - يؤخذ من الحديث الأول "أفضل الصدقة عن ظهر غنى". "وابدأ بمن تعول" ومن الحديث الثالث "إنك أن تبذل الفضل خير لك، وأن تمسكه شر لك، ولا تلام على كفاف، وابدأ بمن تعول" يؤخذ من هذا أن أفضل الصدقة ما كان زائداً على الحاجة. قال النووي: وقد اختلف العلماء في الصدقة بجميع ماله، فمذهبنا أنه مستحب لمن لا دين عليه، ولا له عيال يصبرون، بشرط أن يكون ممن يصبر على الفقر، فإن لم تجتمع هذه الشروط فهو مكروه. قال القاضي: جوز جمهور العلماء وأئمة الأمصار الصدقة بجميع ماله، وقيل: يرد جميعها -أي ترد الصدقة بالمال جميعه إلى صاحبه- وهو مروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقيل: ينفذ في الثلث وهو مذهب أهل الشام، وقيل: إن زاد على النصف ردت الزيادة، ومع جوازه فالمستحب أن لا يفعله وأن يقتصر على الثلث. اهـ.

وقد ترجم البخاري للموضوع بقوله: باب لا صدقة إلا عن ظهر غنى، ومن تصدق وهو محتاج أو أهله محتاجون، أو عليه دين فالدين أحق أن يقضى من الصدقة والعتق والهبة وهو رد عليهن ليس له أن يتلف أموال الناس. اهـ.

ويمكن أن يحتج لهذا الرأي بقصة المدبر فإنه صلى الله عليه وسلم باعه، وأرسل ثمنه إلى الذي دبره لكونه كان محتاجاً، كما جاء في الحديث رقم (٦) في الباب السابق، وفيه "ابدأ بنفسك، فتصدق عليها، فإن فضل شيء فلأهلك، فإن فضل عن أهلك شيء فلذي قرابتك، فإن فضل عن ذي قرابتك شيء فهكذا وهكذا".

فتحصل ثمانية أقوال في هذه المسألة:

الأول: أن الصدقة بجميع المال جائزة مطلقاً، نقله القاضي عن جمهور العلماء، وأئمة الأمصار، ويمكن أن يستدل له بتبرع أبي بكر بجميع ماله، وقد جاء هذا في حديث مرفوع أخرجه أبو داود وصححه الترمذي والحاكم عن عمر بن الخطاب قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتصدق، فوافق ذلك مالاً عندي، فقلت: اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يوماً، فجئت بنصف مالي، وأتى أبو بكر بكل ما عنده، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "يا أبا بكر. ما أبقيت لأهلك؟ " قال: أبقيت لهم الله ورسوله.

القول الثاني: أن الصدقة بجميع المال جائزة بشروط، فإن فقدت هذه الشروط كانت مكروهة، غير محرمة، وهي نافذة لا ترد، نسب الطبري هذا القول للجمهور، وقال: من تصدق بماله كله في صحة بدنه، وعقله، حيث لا دين عليه، وكان صبوراً على الضيق، ولا عيال له، أو له عيال يصبرون

<<  <  ج: ص:  >  >>