المراد بالولد هنا الطفل- ثم ثلث بالزوجة، وأخرها عن درجة الولد لأنه إذا لم يجد ما ينفق عليها فرق بينهما وكان لها من ينفق عليها من زوج آخر "أو ذي محرم تجب نفقتها عليه. اهـ.
واختار النووي في "الروضة" تقديم الزوجة؛ لأن نفقتها آكد، لأنها لا تسقط بمضي الزمان، ولا بالإعسار، ولأنها وجبت عوضاً. وفي المسألة جدل طويل.
هذا والهدف الأساسي من بقية أحاديث الباب التنفير من سؤال الغير مالاً، سواء أكان على سبيل العطاء من ولي الأمر؟ أم كان على سبيل الصدقة؟ واستخدمت الأحاديث لهذا التنفير العديد من الأساليب والعبارات، من ألفاظها: "إن هذا المال خضرة حلوة، فمن أخذه بطيب نفس بورك له فيه، ومن أخذه بإشراف نفس لم يبارك له فيه، وكان كالذي يأكل ولا يشبع، واليد العليا خير من اليد السفلى". "لا تلحفوا في المسألة". "المسكين الذي لا يجد غنى يغنيه، ولا يفطن له فيتصدق عليه، ولا يسأل الناس شيئاً". "إنما المسكين المتعفف، اقرءوا -إن شئتم- {لا يسألون الناس إلحافاً"} [البقرة: ٢٧٣]. "لا تزال المسألة بأحدكم حتى يلقى الله وليس في وجهه مزعة لحم". "من سأل الناس تكثراً فإنما يسأل جمراً، فليستقل أو ليستكثر". "لأن يغدو أحدكم فيحطب على ظهره، فيتصدق به، ويستغني به عن الناس خير له من أن يسأل رجلاً، أعطاه أو منعه". "بايعوني على أن لا تسألوا الناس شيئاً". "إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة: رجل تحمل حمالة فحلت له المسألة حتى يصيبها ثم يمسك، ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله فحلت له المسألة حتى يصيب قواماً من عيش، ورجل أصابته فاقة فحلت له المسألة حتى يصيب قواماً من عيش. فما سواهن سحتاً يأكلها صاحبها سحتاً".
قال النووي: مقصود الباب وأحاديثه النهي عن السؤال، واتفق العلماء عليه إذا لم تكن ضرورة، واختلف أصحابنا في سؤال القادر على الكسب -أي الفقير الذي لا يعمل وأمامه فرص العمل وهو قادر- على وجهين: أصحهما أنها حرام، لظاهر الأحاديث. والثاني حلال مع الكراهة بثلاثة شروط: ألا يذل نفسه، ولا يلح في السؤال، ولا يؤذي المسئول، فإن فقد أحد هذه الشروط فهي حرام بالاتفاق. اهـ.
والذي تستريح إليه النفس أن سؤال القادر على الكسب مع وجود فرص العمل حرام، لأن الإسلام يحارب البطالة والضعف والكسل، ويأمر بالعمل والقوة والضرب في الأرض، ولو بجمع الحطب على الظهر، وقد روى الطبراني في الأوسط: أن رجلين أتيا النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، وهو يقسم الصدقة، فسألا منها، فرفع فيهما البصر وخفضه، فرآهما جلدين فقال لهما: "إن شئتما أعطيتكما، ولاحظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب". وعند الطبراني في الكبير: "لا تحل الصدقة لغني، ولا لذي مرة سوي". أي ذي قوة كامل الأعضاء. فقد قرن هذان الحديثان بين الغني وبين القوي المكتسب، فكما حرم سؤال الغني كذلك يحرم سؤال القوي المكتسب.
كما جاء تحريم سؤال الغني في صريح الأحاديث الصحيحة، منها ما سبق، ومنها ما جاء عند الترمذي: "من سأل وله ما يغنيه جاء يوم القيامة وفي وجهه كدوح أو خموش. قيل: يا رسول الله.