للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قالوا: والحكمة في التخصيص بهذين الأمرين أن أحب الأشياء إلى ابن آدم نفسه، فهو راغب في بقائها، فأحب بذلك طول العمر، وأحب المال لأنه من أعظم الأسباب في دوام الصحة التي ينشأ عنها غالباً طول العمر، فكلما أحس بقرب نفاد ذلك اشتد حبه له، ورغبته في دوامه.

(لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى وادياً ثالثاً) في الرواية السادسة "لو كان لابن آدم واد من ذهب أحب أن له وادياً آخر". وفي الرواية السابعة "لو أن لابن آدم ملء واد مالاً لأحب أن يكون إليه مثله". فرواية "من مال"، فسرت برواية "من ذهب"، وزاد عند أحمد "وفضة" وقوله: "لابتغى" معناها لأحب كما في الروايات الأخرى، وفي رواية "لتمنى مثله، حتى يتمنى أودية".

(ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب) في الرواية السادسة "ولن يملأ فاه إلا التراب"، وفي الرواية السابعة "ولا يملأ نفس ابن آدم إلا التراب"، وفي بعض الروايات "ولا يشبع ابن آدم"، وفي بعضها "ولا يسد جوف ابن آدم"، وفي رواية للبخاري "ولا يملأ عين ابن آدم"، وفي بعض الروايات "ولا يملأ بطن ابن آدم". قال الكرماني: ليس المراد الحقيقة في عضو بعينه [جوف. عين. فم] بقرينة عدم الانحصار في التراب، إذ غيره يملؤه أيضاً، بل هو كناية عن الموت، لأنه مستلزم للامتلاء، فكأنه قال: لا يشبع من الدنيا حتى يموت، فالغرض من العبارات كلها واحد، وهي من التفنن في العبارة. اهـ.

قال الحافظ ابن حجر: وهذا يحسن فيما إذا اختلفت مخارج الحديث، وأما إذا اتحدت فهو من تصرف الرواة، ثم نسبة الامتلاء للجوف واضحة، والبطن بمعناه، وأما النفس فعبر بها عن الذات، وأطلق الذات وأراد البطن، من إطلاق الكل وإرادة البعض، وأما النسبة إلى الفم فلكونه الطريق الموصل للجوف، ويحتمل أن يكون المراد بالنفس العين، وأما العين لأنها الأصل في الطلب لأنه يرى ما يعجبه، فيطلبه ليحوزه إليه، وخص البطن في أكثر الروايات لأن أكثر ما يطلب المال لتحصيل الملذات، وأكثرها يكون للأكل والشرب. اهـ.

قال الطيبي: وقع قوله: "ولا يملأ" ... إلخ موقع التذييل والتقرير للكلام السابق، كأنه قيل: ولا يشبع من خلق من التراب إلا بالتراب، ويحتمل أن يكون ذكر التراب دون غيره لما أن المرء لا ينقضي طمعه حتى يموت، فإذا مات كان من شأنه أن يدفن، فإذا دفن صب عليه التراب، فملأ جوفه وفاه وعينيه، ولم يبق منه موضع يحتاج إلى تراب غيره. اهـ.

(ويتوب الله على من تاب) قال النووي: هو متعلق بما قبله، ومعناه أن الله يقبل التوبة من الحرص المذموم وغيره من المذمومات. اهـ فكأن من فعل ذلك حقه أن يتوب، ويحتمل أن يكون "تاب" بالمعنى اللغوي، وهو مطلق الرجوع، أي ويقبل الله رجوع من رجع عن الحرص وعن التمني. وقال الطيبي: يمكن أن يكون معناه أن الآدمي مجبول على حب المال، وأنه لا يشبع من جمعه، إلا من حفظه الله تعالى، ووفقه لإزالة هذه الجبلة عن نفسه، وقليل ما هم، فوضع "ويتوب" موضعه إشعاراً بأن هذه الجبلة مذمومة جارية مجرى الذنب، وأن إزالتها ممكنة بتوفيق الله وتسديده، فوقع

<<  <  ج: ص:  >  >>