للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قوله: "ويتوب الله" إلخ موقع الاستدراك، أي أن ذلك العسر الصعب يمكن أن يكون يسيراً على من يسره الله تعالى عليه. اهـ.

(فلا أدري أشيء أنزل؟ أم شيء كان يقوله) هذا كلام أنس يتردد في كون هذا القول من القرآن؟ أم من الحديث النبوي؟ ، وفي الرواية السابعة يتردد ابن عباس كذلك، ويقول: فلا أدري أمن القرآن هو؟ أم لا؟ وفي الرواية الثامنة يصرح أبو موسى الأشعري بأن هذا القول كان جزء سورة شبيهة ببراءة في الطول والشدة وسيأتي إيضاح لذلك في فقه الحديث.

(ولا يطولن عليكم الأمد فتقسو قلوبكم) النهي موجه لقسوة القلوب، لا لطول الأمد، والتقدير لا تقسو قلوبكم بطول الزمان، والبعد بينكم وبين المصدر.

(بإحدى المسبحات) أي بإحدى السور التي تبدأ بسبح ويسبح.

(ليس الغنى عن كثرة العرض) بفتح العين والراء، و"عن" سببية، والعرض ما ينتفع به من متاع الدنيا. وقال أبو عبيد: العروض الأمتعة، وهي ما سوى الحيوان والعقار، وما لا يدخله كيل ولا وزن. وقال ابن فارس: العرض بالفتح ما يصيبه الإنسان من حظه في الدنيا، قال تعالى: {تريدون عرض الدنيا} [الأنفال: ٦٧] وقال: {وإن يأتهم عرض مثله يأخذوه} [الأعراف: ١٦٩].

(ولكن الغنى غنى النفس) وعند أحمد "إنما الغنى غنى النفس". وعند ابن حبان عن أبي ذر قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أبا ذر. أترى كثرة المال هو الغنى؟ " قلت: نعم. قال: "وترى قلة المال هو الفقر؟ " قلت: نعم يا رسول الله. قال: "إنما الغنى غنى القلب، والفقر فقر القلب". قال ابن بطال: معنى الحديث: ليس حقيقة الغنى كثرة المال، لأن كثيراً ممن وسع الله عليه في المال لا يقنع بما أوتي، فهو يجتهد في الازدياد، ولا يبالي من أين يأتيه فكأنه فقير لشدة حرصه، وإنما حقيقة الغنى غنى النفس، وهو من استغنى بما أوتي، وقنع به، ورضي، ولم يحرص على الازدياد، ولا ألح في الطلب، فكأنه غني. اهـ وقال القرطبي: معنى الحديث أن الغنى النافع أو العظيم أو الممدوح هو غنى النفس، وبيانه أنه إذا استغنت نفسه كفت عن المطامع، فعزت وعظمت، وحصل لها من الحظوة والنزاهة والشرف والمدح أكثر من الغنى الذي يناله من يكون فقير النفس، لحرصه، فإنه يورطه في رذائل الأموال، وخسائس الأفعال، لدناءة همته وبخله، ولكثرة من يذمه من الناس، ويصغر قدره عندهم، فيكون أحقر من كل حقير، وأذل من كل ذليل.

والحاصل أن المتصف بغنى النفس يكون قانعاً بما رزقه الله، لا يحرص على الازدياد لغير حاجة، ولا يلح في الطلب، ولا يلحف في السؤال، بل يرضى بما قسم الله له، فكأنه واجد أبداً، والمتصف بفقر النفس على الضد منه، لكونه لا يقنع بما أعطي، بل هو أبداً في طلب الازدياد من أي وجه أمكنه، ثم إذا فاته المطلوب حزن وأسف، فكأنه فقير في المال، لأنه لم يستغن بما أعطي فكأنه ليس بغني، ثم غنى النفس إنما ينشأ عن الرضا بقضاء الله تعالى والتسليم لأمره، علماً بأن الذي عند الله خير وأبقى، فهو معرض عن الحرص والطلب، وما أحسن قول الشاعر:

<<  <  ج: ص:  >  >>