للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

(إن كل ما ينبت الربيع يقتل حبطاً أو يلم .... ) "الحبط" بفتح الحاء والباء التخمة، أي انتفاخ البطن من كثرة الأكل، يقال: حبطت الدابة إذا أصابت مرعى طيباً، فأسرفت في الأكل، حتى تنتفخ فتموت، وقوله "أو يلم" معناه: أو يقرب من القتل حبطاً، و"الربيع" الجدول.

وفي الرواية الثانية عشرة "وإن مما ينبت الربيع يقتل أو يلم .... " قال الحافظ ابن حجر: "مما" في قوله "مما ينبت" للتكثير، وليست "من" للتبعيض، لتوافق رواية "كل ما ينبت".

(إلا آكلة الخضر، أكلت، حتى إذا امتلأت خاصرتاها استقبلت الشمس، ثلطت أو بالت، ثم اجترت، فعادت، فأكلت) في الرواية الثانية عشرة "ثم رتعت" قال النووي: "إلا آكلة الخضر" هو بكسر الهمزة من "إلا" وتشديد اللام على الاستثناء، هذا هو المشهور الذي قاله الجمهور من أهل الحديث واللغة وغيرهم. قال القاضي: ورواه بعضهم "ألا" بفتح الهمزة وتخفيف اللام على الاستفتاح، و"آكلة الخضر" بهمزة ممدودة، و"الخضر" بفتح الخاء وكسر الضاد. هكذا رواه الجمهور، قال القاضي: وضبطه بعضهم "الخضر" بضم الخاء وفتح الضاد. اهـ قال الحافظ ابن حجر: وهو ضرب من الكلأ يعجب الماشية، وواحده خضرة، وفي رواية "الخضرة" بضم الخاء وسكون الضاد وزيادة هاء في آخره، وفي رواية "الخضراء" بفتح الخاء وسكون الضاد وبالمد.

والخاصرتان تثنية خاصرة، وهما جانبا البطن من الحيوان، وفي رواية "خاصرتها" بالإفراد. والغرض من استقبالها الشمس أو عين الشمس أن تسخن بها فيسهل الهضم، وفي الرواية الحادية عشرة ورواية البخاري تقديم الاجترار على الثلط وهو الأنسب، إذ الاجترار استرجاع ما في كرشها من العلف إلى الفم لتعيد مضغه تيسيراً لهضمه، والثلط إلقاء الفضلات خارجاً، والمعنى أنها إذا شبعت، فثقل عليها ما أكلت تحايلت في دفعه، بخلاف التي لم تتمكن من ذلك فإن الانتفاخ يقتلها سريعاً.

قال النووي: معناه أن نبات الربيع وخضره يقتل حبطاً بالتخمة لكثرة الأكل أو يقارب القتل إلا إذا اقتصر منه على اليسير الذي تدعو إليه الحاجة، وتحصل به الكفاية، فإنه لا يضر، وهكذا المال، هو كنبات الربيع، مستحسن، تطلبه النفوس، وتميل إليه، فمنهم من يستكثر منه، ويستغرق فيه، غير صارف له في وجوهه، كما تثلطه الدابة، فهذا لا يضر.

وقال الأزهري: فيه مثلان، أحدهما للمكثر من الجمع، المانع من الحق، وإليه الإشارة بقوله: "إن مما ينبت الربيع ما يقتل" لأن الربيع ينبت أحرار البقول، فتستكثر منه الدابة حتى تهلك، والثاني للمقتصد، وإليه الإشارة بقوله: "إلا آكلة الخضر" لأن الخضر ليس من أحرار البقول. اهـ.

وهذا الذي قاله الأزهري غير واضح، لأن وصف الدابة بالشبع وامتداد الخاصرتين لا يتناسب مع المقتصد، وإنما مع المكثر، المحسن في تصريف ما أكثر منه، كما قال النووي.

وقال القاضي عياض: ضرب صلى الله عليه وسلم لهم مثلاً بحالتي المقتصد والمكثر، فقال: أنتم تقولون: إن نبات الربيع خير، وبه قوام الحيوان؟ وليس هو كذلك مطلقاً، فأشار إلى أن الاعتدال

<<  <  ج: ص:  >  >>