(فإنكم ستجدون أثرة شديدة فاصبروا حتى تلقوا الله ورسوله، فإني على الحوض. قالوا: سنصبر) في الرواية الثانية عشرة "فاصبروا حتى تلقوني على الحوض" الأثرة الاستئثار بالأمر المشترك، أي يستأثر عليكم ويفضل عليكم غيركم بغير حق، فالمعنى لا تحسبوا إعطائي قريشاً دونكم أثرة، وتفضيلاً لغيركم عليكم فوجودي معكم يعدلها ويزيد، إنما الأثرة الحقيقية، والاستئثار بالأمور دونكم ستلقونها بعد وفاتي، وأوصيكم بالصبر وعدم المقاتلة، حتى تلقوني، وستجدون عوض ما فقدتم. والأثرة فيها لغتان. ضم الهمزة وإسكان الثاء، وفتح الهمزة والثاء، وهي أصح وأشهر.
(قال أنس: فلم نصبر) فقد نافسوا على السلطة وحاولوا، وحاربوا.
(لما كان يوم حنين)"كان" تامة، و"يوم" فاعل. أي يوم غزوة حنين. وقد مر قريباً مكانها وزمانها، وما وقع فيها.
(أقبلت هوازن وغطفان وغيرهم بذراريهم ونعمهم) في الرواية العاشرة "جاء المشركون بأحسن صفوف، رأيت، قال: فصفت الخيل، ثم صفت المقاتلة [المشاة] ثم صفت النساء من وراء ذلك، ثم صفت الغنم، ثم صفت النعم". وإنما فعلوا ذلك ليستميتوا في القتال.
(ومع النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ عشرة آلاف) وهم الذين فتح بهم مكة.
(ومعه الطلقاء) جمع طليق، وهم من حصل لهم المن عليهم يوم فتح مكة من قريش وأتباعهم، فكانوا ألفين، فكان جيش المسلمين يوم حنين اثنى عشر ألفاً. فقول الراوي في الرواية العاشرة:"ونحن بشر كثير، قد بلغنا ستة آلاف". وهم من الراوي عن أنس، كما قال القاضي عياض.
(فأدبروا عنه حتى بقي وحده) ضمير "فأدبروا" للعشرة آلاف والطلقاء. وقوله:"حتى بقي وحده". قصد به المبالغة، فإن المائة بجوار الاثنى عشر ألفاً في حكم العدم، وقيل: المراد بقي وحده متقدماً مقبلاً على العدو، والذين ثبتوا معه كانوا وراءه، أو الوحدة بالنسبة لمباشرة القتال، فقد روى الترمذي بإسناد حسن عن ابن عمر قال: لقد رأيتنا يوم حنين وإن الناس لمولين، وما مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة رجل". قال الحافظ ابن حجر: وهذا أكثر ما وقفت عليه من عدد من ثبت يوم حنين، وروى أحمد عن ابن مسعود قال: "كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم حنين، فولى عنه الناس، وثبت معه ثمانون رجلاً من المهاجرين والأنصار، فكنا على أقدامنا ولم نولهم الدبر" وذكر النووي في "شرح مسلم" أنه ثبت معه اثنا عشر رجلاً.
(فنادى يومئذ نداءين، لم يخلط بينهما شيئاً) أي لم يفصل بينهما بشيء فسرهما فيما بعد بقوله: "التفت عن يمينه، فقال: يا معشر الأنصار .. ثم التفت عن يساره، فقال: يا معشر الأنصار". وفي الرواية العاشرة "فنادى رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا للمهاجرين. يا للمهاجرين. ثم قال: يا للأنصار. يا للأنصار". فمراد أنس بالنداءين في الرواية التاسعة النداءان الخاصان بالأنصار. وهذا لا يمنع أن يكون قد نادى غيرهما، أو أمر غيره أن ينادي، ففي الصحيح من حديث العباس "أن النبي