للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أحدهما: هو كفر بالله سبحانه وتعالى، سالب لأصل الإيمان، مخرج من ملة الإسلام قالوا: وهذا فيمن قال ذلك معتقدا أن الكوكب فاعل مدبر منشئ للمطر، كما كان بعض أهل الجاهلية يزعم، ومن اعتقد هذا فلا شك في كفره، وهذا القول هو الذي ذهب إليه جماهير العلماء وهو ظاهر الحديث. قالوا. وعلى هذا لو قال: مطرنا بنوء كذا معتقدا أنه من الله تعالى وبرحمته وأن النوء ميقات له وعلامة، اعتبارا بالعادة، فكأنه قال: مطرنا في وقت كذا فهذا لا يكفر. واختلفوا في كراهته، لكنها كراهة تنزيه، لا إثم فيها، وسبب الكراهة أنها كلمة مترددة بين الكفر وغيره، فيساء الظن بصاحبها، ولأنها شعار الجاهلية ومن سلك مسلكهم.

والقول الثاني: أن المراد كفر نعمة الله تعالى، لاقتصاره على إضافة الغيث إلى الكوكب، وهذا فيمن لا يعتقد تدبير الكوكب، ويؤيد هذا التأويل الرواية الثانية "أصبح فريق منهم بها كافرين" والرواية الثالثة "أصبح فريق من الناس بها كافرين" فقوله "بها" يدل على أنه كفر بالنعمة. اهـ.

والمحقق يرى أن القولين اللذين ذكرهما النووي ليسا في كفر من قال مطرنا بنوء كذا، لأنهما متفقان في أن من قال هذا القول معتقدا أن الكوكب فاعل مدبر منشئ للمطر فهو كافر، ومن قاله معتقدا أن النوء ميقات فليس بكافر لكنه مكروه.

إنما الخلاف وإنما القولان في بيان المراد من لفظ الكفر في الحديث فبعضهم حمله على الكفر بالله السالب للإيمان، فلزمه أن يحمل القول "مطرنا بنوء كذا" على من اعتقد أن النجم فاعل مدبر، كاعتقاد بعض أهل الجاهلية، وبعضهم حمله على الكفر بالنعمة وعدم شكرها، وحمل القول على الذي قاله معتقدا أن الله هو الفاعل المدبر وحده، وأن النجم ميقات وعلامة فهذا قد ترك شكر الله تعالى على الغيث، والشكر مستحب عند رؤية كل نعمة، "وكفر النعمة عدم شكر المنعم بها".

وإذا كانت الرواية الثانية والثالثة تؤيد التأويل كما ذكر النووي، فإن الرواية الأولى "فذلك كافر بي مؤمن بالكواكب" تؤيد التأويل الأول، كما يؤيده ما رواه أحمد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يكون الناس مجدبين. فينزل الله عليهم رزقا من السماء من رزقه، فيصبحون مشركين، يقولون: مطرنا بنوء كذا".

والخلاصة أنه إذا حملنا لفظ الكفر في الحديث على الكفر بالله حملنا القول على من قاله معتقدا أن النجم فاعل مدبر.

وإذا حملناه على الكفر بالنعمة حملنا القول على من قال معتقدا أن النجم علامة وميقات فقط، ويكون التعبير عنه بالكفر للتغليظ والتنفير.

بقي حكم من سكت عند الغيث ولم ينطق بهذا القول، وقد سبق بيان أن الحكم منوط بالاعتقاد: فمن سكت معتقدا أن النوء هو الفاعل المدبر للمطر فهو كافر وإن لم ينطق، ومن سكت معتقدا أن التدبير لله، والنجم ميقات فليس بكافر، لكن عليه أن يشكر الله على الغيث ولو بقلبه، ولهذا حمل الحافظ ابن حجر لفظ "فأما من قال" على ما هو أعم من النطق والاعتقاد.

<<  <  ج: ص:  >  >>