وقد انقرض القدرية الزاعمون هذا الزعم انقراضا كليا، لكن العلماء يطلقون لفظ القدرية في العصور المتأخرة على الجهمية الذين يقولون بحدوث العلم، بمعنى أن الله تعالى إذا أراد إيجاد شيء أحدث لنفسه علما قبل إيجاده ذلك بزمان، فهم يتفقون مع القدرية السابقين في حدوث العلم، وإن اختلفوا في تقديم العلم على الوقوع وتأخره عنه.
كما يطلق العلماء لفظ القدرية أيضا على المعتزلة لأنهم يقولون: إن العبد يخلق أفعاله الاختيارية، والخير من الله والشر من غيره. فهم ينفون القدر في بعض الأمور.
وقد ورد في الحديث قوله صلى الله عليه وسلم "القدرية مجوس هذه الأمة" رواه أبو حازم عن ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخرجه أبو داود في سننه والحاكم في المستدرك على الصحيحين وقال صحيح على شرط الشيخين إن صح سماع أبي حازم عن ابن عمر، ويرى أهل السنة أن هذا الحديث عني به القدرية الأولين كما عني به المعتزلة. قال الخطابي في حمل الحديث على المعتزلة: إنما جعلهم صلى الله عليه وسلم مجوسا لمضاهاة مذهبهم مذهب المجوس في قولهم بالأصلين النور والظلمة يزعمون أن الخير من فعل النور والشر من فعل الظلمة، فصاروا ثنوية، وكذلك القدرية يضيفون الخير إلى الله تعالى والشر إلى غيره، والله تعالى خالق الخير والشر جميعا لا يكون شيء منهما إلا بمشيئته، فهما مضافان إليه سبحانه وتعالى خلقا وإيجادا وإلى الفاعلين لهما من عباده فعلا وانتسابا.
ويحاول المعتزلة دفع كونهم مقصودين بهذا الحديث فيقولون: إن القدرية المذمومين الذين عناهم الحديث إنما هم القدرية الأولون، ويغالط بعضهم فيقول: لسنا بقدرية، وإنما القدرية هم الأشاعرة لاعتقادهم إثبات القدر، وإنما ينسب إلى الشيء من يثبته، وليس الذي ينفيه، وقد رد إمام الحرمين وابن قتيبة هذه المغالطة بأن أهل الحق يفوضون أمورهم إلى الله ويضيفون القدر والأفعال إلى الله سبحانه وتعالى، وهؤلاء الجهلة يضيفونه إلى أنفسهم ومدعي الشيء لنفسه ومضيفه إليها أولى بأن ينسب إليه ممن يعتقده لغيره وينفيه عن نفسه.
ومذهب أهل الحق إثبات القدر، ومعناه أن الله تبارك وتعالى قدر الأشياء في القدم وعلم أنها ستقع في أوقات معلومة عنده سبحانه وتعالى وعلى صفات مخصوصة، فهي تقع على حسب ما قدرها سبحانه وتعالى.
قال الخطابي: وقد يحسب كثير من الناس أن معنى القضاء والقدر إجبار الله تعالى العبد وقهره على ما قدره وقضاه، وليس الأمر كما يتوهمونه، وإنما معناه الإخبار عن تقدم علم الله سبحانه وتعالى بما يكون من اكتساب العبد وصدور أفعاله عن تقدير منه سبحانه وخلق لها خيرها وشرها.
٢ - وأما عن النقطة الثانية فإن الذي يؤخذ من الأحاديث أن جبريل عليه السلام كان ينزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم في صور وأحوال مختلفة:
فأحيانا كان يأتي مثل صلصلة الجرس، أي بصوت متدارك، قيل إنه حفيف أجنحة الملائكة، يسمعه صلى الله عليه وسلم حتى يتهيأ للوحي، ويتفرغ له عما يشغله، وكان الصحابة أحيانا