ويحتمل أن يكون المراد يوافقها في نفس الأمر وإن لم يعلم هو ذلك. قال الحافظ ابن حجر: وهذا الأخير هو الذي يترجح في نظري، ولا أنكر حصول الثواب الجزيل لمن قام لابتغاء ليلة القدر وإن لم يعلم بها ولو لم توفق له، وإنما الكلام على حصول الثواب المعين الموعود به، وفرعوا على القول باشتراط العلم بها أنه يختص بها شخص دون شخص، فيكشف لواحد، ولا يكشف لآخر، ولو كانا معاً في بيت واحد.
قال العلماء: والحكمة في إخفائها أن يحصل الاجتهاد في التماسها، بخلاف ما لو عينت لها ليلة، فإنه يقتصر عليها. والله أعلم.
-[ويؤخذ من الأحاديث فوق ما تقدم: ]-
١ - من رؤيا الصحابة واعتماد الرسول صلى الله عليه وسلم لها الدلالة على عظم قدر الرؤيا.
٢ - وجواز الاستناد إليها في الاستدلال على الأمور الوجودية، قال الحافظ ابن حجر: بشرط أن لا يخالف القواعد الشرعية.
٣ - وأن من الرؤيا ما يقع تعبيره مطلقاً.
٤ - ومن رؤيا الرسول صلى الله عليه وسلم لها وأمره لهم بناء عليها يؤخذ الأحكام على رؤيا الأنبياء.
٥ - ومن نسيانه صلى الله عليه وسلم لما علمه جواز النسيان على النبي صلى الله عليه وسلم، ولا نقص عليه في ذلك، لا سيما فيما لا يؤذن له في تبليغه، وقد يكون في ذلك مصلحة تتعلق بالتشريع، كما في السهو في الصلاة أو للاجتهاد في العبادة كما هنا.
٦ - وفي الأحاديث الحث على التماس ليلة القدر وطلبها عن طريق العبادة والاستغفار، والدعاء، فقد أخرج أحمد عن عائشة "قالت: يا رسول الله، إن وافقت ليلة القدر. فما أقول؟ قال: قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني" قال سفيان الثوري: والدعاء في تلك الليلة أحب من الصلاة، وذكر ابن رجب أن الأكمل الجمع بين الصلاة والقراءة والدعاء والتفكر، ويحصل قيامها -على ما قال البعض- بصلاة التراويح، وقد أخرج البيهقي عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من صلى المغرب والعشاء في جماعة حتى ينقضي شهر رمضان فقد أصاب من ليلة القدر بحظ وافر".
٧ - واستحباب الاعتكاف في شهر رمضان.
٨ - وترجيح وتأكيد اعتكاف العشر الأواخر منه.
٩ - وفضل ليلة القدر، وفي القرآن الكريم سورة كاملة خاصة بها، شرف الله تعالى هذه الليلة بإنزال القرآن فيها من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة في السماء الدنيا -كما يرجح الحافظ ابن حجر، وجعلها خيراً من ألف شهر ليس فيها ليلة القدر، وذلك باعتبار العبادة فيها عند جمهور العلماء، على معنى أن العبادة فيها خير من العبادة في ألف شهر. ولا يعلم مقدار الخيرية إلا الله تعالى،