وهذا تفضل منه، وله عز وجل أن يخص ما شاء بما شاء، ورب عمل قليل خير من عمل كثير، ولا شك أن العمل القليل قد يفضل العمل الكثير باعتبار الزمان، وباعتبار المكان، وباعتبار كيفية الأداء، كصلاة واحدة أديت في جماعة، فإنها تعدل خمساً وعشرين صلاة أديت على الانفراد.
قال المفسرون: وتخصيص الألف بالذكر للتكثير، كقوله تعالى {يود أحدهم لو يعمر ألف سنة}[البقرة: ٩٦] وشرفها الله تعالى بإنزال الملائكة. يتنزل ملائكة السماء إلى الأرض للتسليم على المؤمنين ولتصير طاعتهم أكثر ثواباً فيسبحون معهم، ويقدسون ويهللون، ويستغفرون لأمة محمد صلى الله عليه وسلم، وعلى رأس الملائكة جبريل عليه السلام، وشرف الله هذه الليلة بأنها سلام ورحمة من الله، من غروب الشمس حتى مطلع الفجر، فمن قامها إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه.
١٠ - وأخذ بعضهم من رؤيا الصحابة، والأمر بالتماسها إمكان رؤيتها، إذ ما لا يرجى في زمان أو مكان لا يحسن أن يؤمر بالتماسه عادة، ويكفي في رؤيتها رؤية ما يحصل به العلم بها، مما خصت به من الأنوار وتنزل الملائكة عليهم السلام أو نحو ذلك من الكشف المفيد للعلم، مما لا يعرف حقيقته إلا أهله.
وقيل إنها لا ترى مكاشفة أبداً، ولا يراها أحد بعده صلى الله عليه وسلم أصلاً، والأمر بالتماسها مقصود به التماس فضلها في الليالي المذكورة. والله أعلم.
١١ - وعلى القول برؤيتها قال الحافظ ابن حجر: ويسن لرؤيتها كتمها، هكذا استنبطه السبكي الكبير من هذه القصة. قال: ووجه الدلالة أن الله قدر لنبيه أنه لم يخبر بها، والخير كله فيما قدر له، فيستحب اتباعه في ذلك. قال: وذكر في شرح المنهاج ذلك عن الحاوي. قال: والحكمة فيه أنها كرامة، والكرامة ينبغي كتمانها بلا خلاف بين أهل الطريق. من جهة رؤية النفس، فلا يأمن السلب، ومن جهة أن لا يأمن الرياء، ومن جهة الأدب، فلا يتشاغل عن الشكر لله بالنظر إليها وذكرها للناس، ومن جهة أنه لا يأمن الحسد، فيوقع غيره في المحظور، ويستأنس له بقول يعقوب عليه السلام:{يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيداً}[يوسف: ٥] الآية.
١٢ - ومن الأحاديث أن الله تعالى أخفى وقتها على التحديد، ليجتهد في طلبها، وما ذكر من علاماتها من السجود في الماء والطين إنما يعرف بعد فواتها، فإنها تنقضي بمطلع الفجر، ومن فاتته تدارك في صبيحتها بعض ما فاته، ثم إنها علامة قد تتكرر في مستقبل لياليهم، فلا يقال: لم ينقطعوا عن طلبها بعد رؤية هذه العلامة.
١٣ - ومن اختلاف الروايات في تحديد وقتها استدل بعضهم على تنقلها في رمضان أو في العشر الأواخر منه، أو في السبع، أو في أوتاره. قال الحافظ ابن حجر: وأرجاها أوتار العشر، وأرجى أوتار العشر عند الشافعية ليلة إحدى وعشرين أو ثلاث وعشرين، وأرجاها عند الجمهور ليلة سبع وعشرين.
١٤ - ومن كون علاماتها السجود في الماء والطين، استدل بعضهم على أنه ليس بلازم أن يكون لها