علامة، وعلى أنها كرامة لمن شاء الله من عباده فيختص بها قوم دون قوم، فكثيراً ما ينقضي شهر رمضان دون مطر، مع اعتقادنا أنه لا يخلو رمضان من ليلة القدر.
١٥ - واستنبط بعض العلماء من الأحاديث إما أنها تتعدد في العام الواحد باعتبار تعدد الأماكن وإما لا اعتبار بكونها في الوتر، ولا اعتبار بكونها ليلة كذا، بل ولا يصح إطلاق القول بأن وقت التقدير وتنزل الملائكة ليلاً. لأنه من المعلوم اختلاف المطالع، فالليل عند قوم نهار في جهة أخرى، والفجر عند قوم مغرب عند آخرين، بل بعض المناطق ليلها أشهر، ونهارها أشهر، فإن قلنا بوحدتها وتحديد وقتها لأهل الأرض كانت وتراً عند قوم شفعاً عند آخرين، وليلاً عند قوم ونهاراً عند آخرين.
ولو صح الاحتمال الثاني وأنها ليلة واحدة محددة كان التعبير بليلة كذا رعاية لمكان المنزل عليه القرآن عليه الصلاة والسلام، فيكون القول بوتريتها بالنسبة إلى قومه وإن كانت شفعاً عند الآخرين، وكونها بالليل بالنسبة إلى قومه وإن كانت نهاراً عند آخرين، ولا يبعد أن يعطي الله تعالى أجرها لمن اجتهد ليلة الشفع التي هي الوتر عند أهل المدينة، وبهذا الاحتمال يمكن الجمع بين الروايات المتعارضة.
ولو صح الاحتمال الأول، وأنها ليال متعددة باعتبار تعدد الأماكن وأن لكل قوم ليلتهم كانت ليلة القدر كراكب يسير إلى جهة، فيصل إلى كل منزل في وقت، وتتنزل الملائكة وتصعد حسب سيرها. فينزل منهم ما شاء الله عند قوم، وينزل منهم ما شاء الله عند آخرين {وما يعلم جنود ربك إلا هو}[المدثر: ٣١] ومناط الفضل على هذا تحققها بالنسبة لكل قوم على حدة.
ومثل هذا الإيراد يأتي في سائر أوقات العبادة، ووقت نزوله سبحانه وتعالى إلى السماء الدنيا من الليل كما صحت به الأخبار، وكذا ساعة الإجابة من يوم الجمعة، ورمضان، وأيام العيد، وغيرها كثير. مما يرجح القول بالاحتمال الأخير، وأن لكل قوم مطلعهم ووقتهم.
وعندي كما -قال الألوسي- إن البحث قوي، والأمر مما لا مجال فيه لعقلي. والله أعلم.
١٦ - ومن قوله في الرواية الخامسة "فإن ضعف أحدكم أو عجز فلا يغلبن على السبع البواقي" أي من عجز عن الأهم حرص على المهم.
١٧ - ومن قوله في الرواية التاسعة "فخطب الناس، فأمرهم بما شاء الله ثم قال ... إلخ" تقديم الخطبة على التعليم.
١٨ - ومن وجود أثر الطين والماء في جبهته وأنفه صلى الله عليه وسلم استدل بعضهم على أن السنة للمصلي أن لا يمسح جبهته في الصلاة، قال النووي: وهذا محمول على أنه كان شيئاً يسيراً، فيستحب أن لا يمسحه في الصلاة اهـ ورده بعضهم بأن بقاء أثر الطين لا يستلزم نفي مسح الجبهة، فقد يمسح جبهته ويبقى أثر الطين، ويجوز أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم ترك المسح ناسياً، أو تركه متعمداً لتصديق رؤياه، أو غير شاعر به، أو لبيان الجواز، وليس في ذلك ما يدل على الاستحباب.