فيصنع بالميت ما يصنع بالحي، قال ابن دقيق العيد الشافعي: وهو مقتضى القياس لكن الحديث بعد أن ثبت يقدم على القياس، ويرد بعض المالكية على الحديث: بأنه واقعة حال، يتطرق الاحتمال إلى منطوقها.
ويقول بعض الحنفية: إن الحديث ليس عاماً بلفظه، لأنه في شخص معين وليس عاماً بمعناه، لأنه لم يقل: يبعث ملبياً لأنه محرم، فلا يتعدى حكمه إلى غيره إلا بدليل منفصل، ويقول بعض هذا الفريق عن الحديث بأنه مخصوص بذلك الرجل، لأن إخباره صلى الله عليه وسلم بأنه يبعث ملبياً شهادة بأن حجه قد قبل، وذلك غير محقق لغيره.
ويرد ابن دقيق العيد على هذا: بأن هذه الصفة إنما ثبتت لأجل الإحرام فتعم كل محرم، وأما القبول وعدمه فأمر مغيب، وأيده ابن المنير، فقال: قال صلى الله عليه وسلم في الشهداء "زملوهم بدمائهم" مع قوله: "والله أعلم بمن يكلم في سبيله" فعمم الحكم في الظاهر بناء على ظاهر السبب، فينبغي أن يعمم الحكم في كل محرم، وبين المجاهد والمحرم جامع، لأن كلاً منهما في سبيل الله.
ويتعلل بعض المالكية بقوله تعالى: {وأن ليس للإنسان إلا ما سعى} [النجم: ٣٩]. وبقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث" وليس هذا منها، فينبغي أن ينقطع عمله بالموت. وأجيب: بأن تكفينه في ثوبي إحرامه وتبقيته على هيئة إحرامه من عمل الحي بعده، كغسله والصلاة عليه، فلا معنى لما ذكروه.
وأورد بعضهم: أنه لو كان إحرامه باقياً لوجب أن يكمل به المناسك [بأن يحمل ويطاف به ويسعى به إلخ] ولا قائل به، وأجيب: بأن ذلك ورد على خلاف الأصل، فيقتصر به على مورد النص، ولا سيما وقد وضح أن الحكمة في ذلك استبقاء شعار الإحرام كاستبقاء دم الشهيد.
-[ويؤخذ من الحديث بعد ما تقدم: ]-
١ - جواز الكفن في ثوبين، وأما الثلاثة أثواب الواردة في حديث عائشة فهي للاستحباب، وهو قول الجمهور، وأما الواحد الساتر لجميع البدن فلا بد منه بالاتفاق.
٢ - استدل بقوله في الرواية الثانية والثامنة "ثوبين" على استبدال ثياب المحرم، وليس بشيء، فإن الرواية الأولى والثالثة والخامسة والسادسة لفظها "في ثوبيه" أي إزاره وردائه.
٣ - استدل بقوله "بماء وسدر" على استحباب السدر في غسل الميت، وأن المحرم في ذلك كغيره، قال النووي: وهذا مذهبنا، ومنعه مالك وأبو حنيفة وآخرون.
٤ - وأن التكفين في الثياب الملبوسة جائز، قال النووي: وهو مجمع عليه.
٥ - وأن الكفن مقدم على الدين وغيره، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسأل: هل عليه دين مستغرق أم لا؟ .
٦ - وأن التكفين واجب، وهو إجماع في حق المسلم، وكذلك غسله والصلاة عليه ودفنه.
٧ - استدل بالنهي عن تخمير الوجه الوارد في روايتنا الخامسة وملحق الثامنة والتاسعة