الإحصار يكون بكل حابس سواء أكان بالعدو، أو بسلطان جائر، أو بمرض، أو كسر، أو ذهاب نفقة، أو نحو ذلك مما يمنع عن المضي للبيت، وله التحلل، بأن ينوي ذلك وينحر هديه ويقصر أو يحلق رأسه.
وقال ابن عمر ومالك والشافعي: من أحصر بالعدو فإنه ينحر هديه حيث حصر ويتحلل، وينصرف ولا قضاء عليه، إلا أن تكون حجة الفريضة، أما من أحصره المرض فلا يحله إلا الطواف بالبيت، قال مالك: سواء اشترط عند إحرامه التحلل للمرض أم لم يشترط وقال الشافعي: له شرطه.
وأحاديث الباب دليل الشافعي، وأن المرض لا يبيح التحلل إذا لم يشترط في حال الإحرام، إذ طلب من ضباعة أن تشترط لتتحلل، فيمنع التحلل للمرض بدون الاشتراط ويتحلل بدون هدي إذا كان قد اشترط.
أما المالكية فيجيب بعضهم عن الحديث بأنها قضية عين، وأنه مخصوص بضباعة. قال النووي: وهو تأويل باطل. ويجيب بعضهم بأن معناه: محلي حيث حبسني الموت إذا أدركتني الوفاة انقطع إحرامي. وأنكره النووي، وقال: إنه ظاهر الفساد. ويجيب بعضهم بأن الشرط خاص بالتحلل من العمرة، لا من الحج. وهو ظاهر الفساد أيضاً، لأن حديث ضباعة صريح في الحج، وأشار بعضهم إلى تضعيف الحديث، وقال: لا يثبت في الاشتراط إسناد صحيح. قال النووي: والقول بتضعيف الحديث غلط فاحش جداً، لأن هذا الحديث مشهور في صحيح البخاري ومسلم وسنن أبي داود والترمذي والنسائي وسائر كتب الحديث المعتمدة من طرق متعددة بأسانيد كثيرة عن جماعة من الصحابة، وفيما ذكره مسلم من تنويع طرقه أبلغ كفاية. اهـ
الثانية: التفرقة في الإحصار بين الحج والعمرة، وقد روي عن مالك وبعض الظاهرية أن التحلل بالإحصار يختص بالحاج، بخلاف المعتمر، فإنه لا يتحلل بالإحصار، بل يستمر على إحرامه حتى يصل إلى البيت ويتم العمرة بالطواف والسعي لأن العمرة لا وقت لها يفوت، بل السنة كلها وقت للعمرة، والجمهور على خلافه، لقوله تعالى:{فإن أحصرتم} نزلت عام الحديبية حين كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه قد أحرموا بالعمرة، فتحللوا وذبحوا الهدايا، وأحاديث هذه القصة في الكتب مشهورة.
الثالثة: التفرقة بين الإحصار قبل الوقوف بعرفة وبعده، ومذهب الشافعية، أن التحلل بالإحصار قبل الوقوف وبعده سواء، سواء أحصر عن الكعبة فقط أو عن عرفات فقط، أو عنهما، فيتحلل بما يتحلل به المحصر بعيداً عن الحرم. وقال أبو حنيفة: لا يتحلل بالإحصار بعد الوقوف، بل إن أحصر عن الكعبة وعرفات تحلل، وإن أحصر عن أحدهما لم يجز له التحلل، ويوضح العيني هذا المذهب فيقول: عند أبي حنيفة لا يكون محصراً من بلغ مكة، لأن المحصر عنده من منع الوصول إلى مكة، وحيل بينه وبين الطواف والسعي، فيفعل ما فعل الشارع من الإحلال من موضعه، وأما من بلغها فحكمه عنده كمن فاته الحج يحل بعمرة، وعليه الحج من قابل، ولا هدي عليه، لأن الهدي لجبر ما أدخله على نفسه، ومن حبس عن الحج لم يدخل على نفسه نقصاً. اهـ
ودليل الشافعية عموم قوله تعالى:{فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي} ولم يفرق.