للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٣ - وأما عن النقطة الثالثة فقد اختلف العلماء في الحقيقة الشرعية لكل من الإيمان والإسلام، وفي زيادة الإيمان ونقصه، وفي العلاقة بين الإيمان والإسلام، وقد بلغ بهم الخلاف والتشعب في هذا الموضوع أن ألف بعض الفضلاء فيه كتابا مستفيضا، ولما كان هدفنا في هذا المقام هو شرح الأحاديث والجمع بينها فإننا سنقتصر على صفوة القول وخلاصته مع التوفية والإيضاح وبالله التوفيق.

أولا: زعمت الكرامية وبعض المرجئة أن الإيمان هو الإقرار باللسان دون عقد القلب وتصديقه تعلقا بقوله صلى الله عليه وسلم "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم" وهذا الزعم واضح البطلان، فقد أجمعت الأمة على أن المنافقين كفار، وإن كانوا قد أعلنوا الشهادتين بألسنتهم بدليل قوله تعالى: {ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره إنهم كفروا بالله ورسوله} [التوبة: ٨٤].

ثانيا: زعم الخوارج أن أهل المعاصي كفار، وإن صدقوا بقلوبهم وأقروا بألسنتهم.

وزعم المعتزلة أن أهل المعاصي ليسوا مؤمنين وإن صدقوا بقلوبهم وأقروا بألسنتهم، كما أنهم ليسوا كفارا، وإن استحقوا الخلود في النار، فكل من الفريقين ينفي الإيمان عن أهل المعاصي وشبهتهم قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ... " إلخ الحديث، وحكم القرآن على بعض العصاة بالخلود في النار كقوله تعالى: {ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها} [النساء: ٩٣]. وكقوله تعالى: {ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها} [النساء: ١٤] وهذا الزعم من الفريقين باطل لمعارضته الآيات الكثيرة والأحاديث البالغة في موضوعها حد التواتر. كقوله تعالى: {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما} [الحجرات: ٩] فقد أثبت لهم وصف الإيمان مع معصية الاقتتال، وكحديث أبي ذر "ما من عبد قال لا إله إلا الله ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة" قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال صلى الله عليه وسلم وإن زنى وإن سرق .. الحديث. ونفي الإيمان عن الزاني محمول على نفي كمال الإيمان، والخلود في الآيتين محمول على المكث الطويل جمعا بين النصوص.

ثالثا: لأهل السنة والجماعة ثلاثة أقوال مشهورة في حقيقة الإيمان شرعا، فأكثر المتكلمين على أن الإيمان اسم للتصديق فقط، أي تصديق النبي صلى الله عليه وسلم في كل ما علم مجيئه به بالضرورة تصديقا جازما.

وبعض العلماء على أن الإيمان اسم للتصديق والنطق.

وأكثر السلف على أن الإيمان اسم للتصديق والنطق والعمل.

وقد جمع بعض العلماء بين الأقوال الثلاثة، فقال: إن السلف لا يعنون بقولهم إنه التصديق والعمل أن العمل جزء من الإيمان بحيث ينعدم الإيمان بانعدام العمل، لإجماعهم على أن العاصي بترك بعض الواجبات هو مؤمن، فإضافتهم العمل إلى الإيمان بناء على هذا إضافة كمال، فالمصدق

<<  <  ج: ص:  >  >>