للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بقلبه إذا لم يجمع إلى تصديقه العمل بموجب الإيمان لا يستحق اسم مؤمن على الإطلاق بل على التقييد بمؤمن عاص، لأن اسم الشيء مطلقا يقع على الكامل منه، ولا يستعمل في الناقص ظاهرا إلا بقيد، وعلى هذا جاز نفي الإيمان عن العاصي في قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن" والمتكلمون الذين يرون أن الإيمان هو التصديق لا يعارضون في أن الإيمان الكامل هو ما صحبه العمل، فالتصديق أول منازل الإيمان وأساسه.

والقائلون بأنه التصديق والنطق لعلهم يقصدون أن النطق شرط في ثبوت الإيمان بحسب الظاهر لا أنه جزء منه، فليس الإيمان عند الجميع إلا التصديق كما فسره صلى الله عليه وسلم في أحاديثنا.

ولا شك أن الإيمان يزيد وينقص إن قلنا بإضافة الأعمال إلى التصديق خلافا للخوارج والمعتزلة الذين ينفون الإيمان عن العاصي، والخلاف بين أهل السنة في زيادة الإيمان ونقصه على القول بأنه التصديق.

فأكثر المتكلمين ينكر زيادته ونقصانه، ويقولون: إن التصديق علم، والعلوم لا تتفاوت، وأنه متى قبل الزيادة كان شكا وكفرا.

وجمهور العلماء والمحدثين يقول: إن التصديق نفسه يزيد وينقص، وبعضهم يرى أنه يزيد ولا ينقص، قال ابن بطال: التفاوت في التصديق على قدر العلم والجهل، فمن قل علمه كان تصديقه مثلا بمقدار ذرة، والذي فوقه في العلم تصديقه بمقدار برة أو شعيرة، إلا أن أصل التصديق الحاصل في قلب كل أحد منهم لا يجوز عليه النقصان، ويجوز عليه الزيادة بزيادة العلم والمعاينة.

ويؤيده حديث أنس "يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن شعيرة من خير، ويخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن برة من خير ويخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن ذرة من خير" وفي رواية لأنس "من إيمان" بدلا من كلمة "من خير" وجاء في البخاري عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "أخرجوا من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان".

وقال النووي: الأظهر - والله أعلم - أن نفس التصديق يزيد بكثرة النظر وتظاهر الأدلة، ولهذا يكون إيمان الصديقين أقوى من إيمان غيرهم بحيث لا تعتريهم الشبه، ولا يتزلزل إيمانهم بعارض، بل لا تزال قلوبهم منشرحة نيرة وإن اختلفت عليهم الأحوال، وأما غيرهم من المؤلفة ومن قاربهم فليسوا كذلك، فهذا ما لا يمكن إنكاره ولا يتشكك عاقل في أن نفس تصديق أبي بكر الصديق رضي الله عنه لا يساويه تصديق آحاد الناس.

وقال القاضي أبو بكر بن العربي: إن النقص أمر نسبي، لكن منه ما يترتب عليه الذم ومنه ما لا يترتب، فالأول ما نقصه بالاختيار، كمن علم وظائف الدين ثم تركها عمدا، والثاني ما نقصه بغير اختيار، كمن لا يعلم أو لم يكلف، فهذا لا يذم بل يحمد من جهة أنه كان قلبه مطمئنا بأنه لو زيد لقبل، ولو كلف لعمل، وهذا شأن الصحابة الذين ماتوا قبل نزول الفرائض، ومحصله أن النقص

<<  <  ج: ص:  >  >>