للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بالنسبة لهم أمر صوري نسبي، والآيات القرآنية صريحة في زيادة الإيمان، وما يقبل الزيادة يقبل النقصان.

قال تعالى: {ليزدادوا إيمانا} [الفتح: ٤] {فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا} [التوبة: ١٢٤]، {وما زادهم إلا إيمانا وتسليما} [الأحزاب: ٢٢].

أما الإسلام فهو الاستسلام، فإن قصد به استسلام القلب وإذعانه كان بمعنى الإيمان كما في قوله تعالى: {فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين} [الذاريات: ٣٥، ٣٦].

وإن قصد استسلام الجوارح بما في ذلك النطق يتحقق الإسلام دون الإيمان، كما في المنافقين، ومنه قوله تعالى: {قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا} [الحجرات: ١٤].

والإيمان المنجي لا يتم بدون عمل الجوارح، والإسلام المنجي لا يتم بدون التصديق القلبي. فحينما يفسر الإيمان بالتصديق، والإسلام بعمل الجوارح، فهو تفسير بحسب الأصل الظاهر، كما في حديث سؤال جبريل الذي نحن بصدده. وحينما يفسر الإيمان بالتصديق والعمل، ويفسر الإسلام بالأمرين فهو تفسير بالكمال الشرعي المنجي من النار، وحينما يفسر الإيمان بالعمل فهو تفسير بلوازمه وخواصه، كما في حديث وفد عبد القيس الآتي وحينما يفسر الإسلام بالتصديق، فهو تفسير بشرطه الأساسي الذي يتوقف عليه.

وهذا التحليل موافق لرأي الحافظ ابن حجر، إذ قال في نهاية المطاف: والذي يظهر من مجموع الأدلة أن لكل منهما حقيقة شرعية، كما أن لكل منهما حقيقة لغوية، لكن كل منهما مستلزم للآخر بمعنى التكميل له، فكما أن العامل لا يكون مسلما كاملا إلا إذا اعتقد، فكذلك المعتقد لا يكون مؤمنا كاملا إلا إذا عمل، وحيث يطلق الإيمان في موضع الإسلام، أو العكس، أو يطلق أحدهما على إرادتهما معا، فهو على سبيل المجاز، ويتبين المراد بالسياق. اهـ.

وقد حكى ذلك الإسماعيلي عن أهل السنة والجماعة قالوا: إنهما تختلف دلالتهما بالاقتران، فإن أفرد أحدهما دخل الآخر فيه، وعلى ذلك يحمل ما جاء في حديث وفد عبد القيس.

وظاهر الحديث الذي نحن فيه أن المؤمن هو من صدق بجميع ما ذكر، وهو كذلك ولا يعارض هذا ما ذكره الفقهاء من إطلاق الإيمان على من آمن بالله ورسوله، لأن المراد من الإيمان برسول الله الإيمان بوجوده وبما جاء به عن ربه، فيدخل فيه جميع ما ذكر.

ولا يلزم من جعل الإسلام اسما للأركان الخمسة في الحديث أن يكون من قصر في شيء منها غير مسلم، لقوله صلى الله عليه وسلم "من قال لا إله إلا الله دخل الجنة" فقد جعل النطق بالشهادتين وحده كافيا. والله أعلم.

٤ - وأما عن النقطة الرابعة فقد قيل: إن للعبد في عبادته ثلاثة مقامات:

الأول: أن يفعلها على الوجه الذي يسقط معه التكليف، أي مستوفاة الشرائط والأركان.

<<  <  ج: ص:  >  >>