للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الثاني: أن يفعلها كذلك وقد غلب عليه أن الله تعالى يشاهده، وهذا هو مقام المراقبة.

الثالث: أن يفعلها كذلك وقد استغرق في بحار المكاشفة، حتى كأنه يرى الله، وهو مقامه صلى الله عليه وسلم كما قال "وجعلت قرة عيني في الصلاة".

فقوله صلى الله عليه وسلم "أن تعبد الله كأنك تراه" إشارة إلى مقام المكاشفة، وتلك أعلى درجات العبادة، لأننا لو قدرنا أن أحدنا قام في عبادة وهو يعاين ربه سبحانه وتعالى لم يترك شيئا مما يقدر عليه من الخضوع والخشوع وحسن السمت، واجتماعه بظاهره وباطنه على الاعتناء بتتميمها على أحسن وجوهها إلا أتى به.

وقوله صلى الله عليه وسلم "فإن لم تكن تراه فإنه يراك" نزول عن المكاشفة إلى مقام المراقبة، أي إن لم تعبده وأنت من أهل الرؤية المعنوية "التي هي المكاشفة" فاعبده وأنت بحيث تستشعر أنه يراك.

وإذا كانت مجالسة الصالحين مانعة من التلبس بشيء من النقائص، احتراما لهم واستحياء منهم كان إحساس العبد بدوام اطلاع الله عليه في سره وعلانيته دافعا إلى الإخلاص والإتمام.

وكل من المقامات الثلاثة إحسان، إلا أن الإحسان الذي هو شرط في صحة العبادة هو الأول، لأن الإحسان بالمقامين الأخيرين إنما هو من صفة الخواص، وخواص الخواص.

وإنما أخر جبريل السؤال عن الإحسان، لأنه صفة الفعل أو شرط في صحته، والصفة وضعها بعد الموصوف.

وقد اشتمل هذا الحديث - كما يقول القاضي عياض - على جميع وظائف العبادات الظاهرة والباطنة من عقود الإيمان ابتداء وحالا ومآلا، ومن أعمال الجوارح، ومن إخلاص السرائر، والتحفظ من آفات الأعمال، حتى إن علوم الشريعة كلها راجعة إليه ومتشعبة منه.

٥ - وأما عن النقطة الخامسة فإن نفي علمه صلى الله عليه وسلم بموعد الساعة يتنافى مع ظاهر قوله صلى الله عليه وسلم "بعثت أنا والساعة كهاتين" مشيرا إلى السبابة والوسطى مما يشعر بالعلم، وأجيب بأن معنى الحديث: أنه صلى الله عليه وسلم النبي الأخير، فلا نبي آخر بعده، وإنما تليه القيامة، وكل آت قريب.

وما ذكره صلى الله عليه وسلم من أمارات الساعة هو من علاماتها الصغرى، وهي كثيرة: منها رفع العلم وظهور الجهل، وكثرة الزنا، وشرب الخمر.

والقصد من ذكر العلامات الصغرى الإشعار بقرب قيامها، ليندفع الناس إلى العمل الصالح خوفا من غشيانها فجأة، لقوله تعالى: {وما يدريك لعل الساعة تكون قريبا} [الأحزاب ٦٣] وقوله تعالى: {لا تأتيكم إلا بغتة} [الأعراف: ١٨٧].

أما العلامات الكبرى فهي كالدجال ونزول عيسى وخروج يأجوج ومأجوج والدابة وطلوع الشمس من المغرب.

<<  <  ج: ص:  >  >>