العمرة، وقيل: هي العمرة في أشهر الحج ثم الحج من عامه، وعلى هذا إنما نهى عنها ترغيباً في الإفراد الذي هو الأفضل، لا أنه يعتقد بطلانها أو تحريمها. اهـ
فالفريق الأول: يمثله القاضي عياض إذ يقول: ظاهر حديث جابر [روايتنا الثالثة والثلاثين، وفيها "تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما قام عمر قال: إن الله كان يحل لرسوله ما شاء بما شاء، وإن القرآن قد نزل منازله، فأتموا الحج والعمرة لله، كما أمركم الله" وروايتنا الثانية والتسعين: وفيها" فعلناهما مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم نهانا عنهما عمر، فلم نعد لهما"] وعمران [روايتنا الثانية والخمسين والثالثة والخمسين والرابعة والخمسين والخامسة والخمسين والسادسة والخمسين والسابعة والخمسين] وأبي موسى [روايتنا الواحدة والأربعين، وفيها "قال عمر: إن نأخذ بكتاب الله فإن كتاب الله يأمر بالتمام، وإن نأخذ بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يحل حتى بلغ الهدي محله"].
أقول: يقول القاضي عياض: ظاهر حديث جابر وعمران وأبي موسى أن المتعة التي اختلفوا فيها إنما هي فسخ الحج إلى العمرة. قال: ولهذا كان عمر رضي الله عنه يضرب الناس عليها، ولا يضربهم [أي ولا يصح أن يضربهم] على مجرد التمتع في أشهر الحج، وإنما ضربهم على ما اعتقده هو وسائر الصحابة أن فسخ الحج إلى العمرة كان مخصوصاً في تلك السنة، لإبطال اعتقاد الجاهلية أن العمرة لا تصح في أشهر الحج. انتهى.
ووجه الاستدلال بهذه الأحاديث أن قول عمر:"إن الله يحل لرسوله ما شاء بما شاء .. " إلخ يريد أن الله أحل لرسوله صلى الله عليه وسلم فسخ الحج إلى العمرة في ذلك العام بسبب ما شاء من إبطال عقيدة الجاهلية، وإن القرآن الكريم قد أخذ وضعه وعمومه في الأمر بإتمام الحج، والذي يفسخ الحج يخالف الأمر بإتمامه دون إحصار، فإن نأخذ بكتاب الله لا نفسخ فإن كتاب الله يأمر بالتمام، وإن نأخذ بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم العملية، أي بفعله صلى الله عليه وسلم لا نفسخ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يفسخ، واستمر على إحرامه الأول بالحج حتى نحر هديه، سواء أدخل عليه العمرة فصار قارناً، أو ظل مفرداً، فكتاب الله دال على منع التحلل لأمره بالإتمام، فيقتضي استمرار الإحرام إلى فراغ الحج، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم دالة على ذلك وأحاديث جابر وأبي موسى. رضي الله عنهما تعطي هذا المعنى، وإن كان في بعض رواياتهما ما يعارضه -كما سيأتي- أما أحاديث عمران رضي الله عنه فإنها لا يتضح فيها هذا المعنى، وربما كان القاضي عياض يقصد روايات أخرى له في غير مسلم. على أن أحاديث أبي ذر رضي الله عنه، [رواياتنا السابعة والأربعون والثامنة والأربعون والتاسعة والأربعون] صريحة في الخصوصية والرخصة لأصحاب محمد، أي الذين لم يسوقوا الهدي، فهي تؤيد هذا القول.
قال القاضي عياض: وجمهور الأئمة على أن فسخ الحج إلى العمرة كان خاصاً بالصحابة. اهـ
فسخ الحج إلى العمرة: صريح الأحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر من لم يكن معه هدي أن يفسخ الحج الذي أحرم به، وأن يجعله عمرة، ففي الرواية العاشرة "قال لأصحابه: اجعلوها عمرة" وفي الرواية الثانية والثلاثين والرابعة والثلاثين "فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نجعلها عمرة، ونحل. قال جابر: وكان معه الهدي فلم يستطع أن يجعلها عمرة" وفي الرواية الخامسة والثلاثين "فمن كان منكم ليس معه