هدي فليحل، وليجعلها عمرة" وفي الرواية المتممة للتسعين يقول أبو سعيد: "خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نصرخ بالحج صراخاً، فلما قدمنا مكة أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نجعلها عمرة، إلا من ساق الهدي" وعند البخاري يقول ابن عباس " فلما قدمنا مكة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اجعلوا إهلالكم بالحج عمرة إلا من قلد الهدي".
ولا خلاف بين العلماء في أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر من لم يكن معه هدي في حجة الوداع أن يفسخ الحج إلى العمرة، ولكن الخلاف في كون هذا الفسخ رخصة لهذا العام فقط؟ أو هو حكم شرعي عام إلى يوم القيامة؟ .
يقول النووي في المجموع: مذهب الشافعية أنه إذا أحرم بالحج لا يجوز له فسخه وقلبه عمرة، وإذا أحرم بالعمرة لا يجوز له فسخها حجاً، لا لعذر، ولا لغيره، وسواء ساق الهدي أم لا. فهذا مذهبنا، قال ابن الصباغ والعبدري وآخرون: وبه قال عامة الفقهاء وقال أحمد: يجوز فسخ الحج إلى العمرة لمن لم يسق الهدي، وقال القاضي عياض في شرح صحيح مسلم: جمهور الفقهاء على أن فسخ الحج إلى العمرة كان خاصاً للصحابة، قال: وقال بعض أهل الظاهر: هو جائز الآن. اهـ
وصريح روايات أبي ذر أن هذا كان رخصة وخصوصية لذلك العام، لكن الإمام أحمد لم يأخذ بها، فهي موقوفة على أبي ذر، ولم يأخذ بحديث الحارث بن بلال بن الحارث عن أبيه قال: "قلت: يا رسول الله، أرأيت فسخ الحج إلى العمرة لنا خاصة؟ أم للناس عامة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بل لكم خاصة" رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه. قال النووي: وإسناده صحيح إلا الحارث بن بلال، ولم أر فيه جرحاً ولا تعديلاً. قال الإمام أحمد: هذا الحديث لا يثبت عندي، ولا أقول به.
ويمكن أن يحتج للإمام أحمد بروايتنا الخامسة والثلاثين، وفيها "فمن كان منكم ليس معه هدي فليحل، وليجعلها عمرة" فقام سراقة بن مالك بن جعشم، فقال: يا رسول الله، ألعامنا هذا؟ أم لأبد؟ فشبك رسول الله صلى الله عليه وسلم أصابعه واحدة في الأخرى، وقال: دخلت العمرة في -الحج مرتين- لا. بل لأبد أبد".
ويجيب الجمهور عن هذا الاستدلال بأن المراد به جواز العمرة في أشهر الحج، لا فسخ الحج إلى العمرة، أو أن المراد دخول أفعالها في أفعال الحج، وهو القران، وحمله من يقول: إن العمرة ليست واجبة على أن العمرة اندرجت في الحج، فلا تجب، وإنما تجب على المكلف حجة الإسلام دون العمرة.
ونعود إلى تحرير مراد عمر ومن تبعه من الصحابة من النهي عن المتعة، فنقول:
الفريق الثاني: يقول: إن نهي عمر وعثمان وغيرهما من الصحابة رضي الله عنهم، عن متعة الحج، أي الإحرام بالعمرة في أشهر الحج، ثم الحج في العام نفسه، وليس عن فسخ الحج إلى العمرة، وظاهر الروايات معهم، فمن الصعب جداً أن نحمل على الفسخ أمر ابن عباس بالمتعة، ونهى ابن الزبير عنها، في الرواية الثالثة والثلاثين، وكذلك نهى عثمان عن