المتعة وأمر علي بها في الرواية الخامسة والأربعين والسادسة والأربعين، إذ لم يكن هناك من أحرم بالحج ويريد أن يفسخه إلى عمرة، وإنما كان ذلك فيمن يريد الإحرام بالعمرة في أشهر الحج، وروايات عمران بن حصين، الثانية والخمسون وما بعدها تقول:"أعمر طائفة من أهله في العشر" فالخلاف إذن في الإحرام بالعمرة في أشهر الحج.
ويرى هذا الفريق أن عمر وعثمان كانا ينهيان نهي منع، وحمل للناس على عدم التمتع، قال النووي في المجموع: ومن العلماء من أصحابنا وغيرهم من يقتضي كلامه أن مذهب عمر بطلان التمتع، وهو ضعيف، وقال العيني: وقد أنكر عليهم علماء الصحابة، وخالفوهم في فعلها، والحق مع المنكرين عليهم دونهم. اهـ
الفريق الثالث: كالفريق الثاني في أن المنهي عنه على لسان عمر وعثمان ومن تبعهما رضي الله عنهما هو متعة الحج، والفرق بين الفريقين أن هذا الفريق يرى أن النهي نهي تفضيل للإفراد على التمتع، لا نهي منع، يؤيد ذلك ما جاء في روايتنا الرابعة والأربعين من قول عمر:"ولكن كرهت أن يظلوا معرسين بهن في الأراك، ثم يروحون في الحج تقطر رءوسهم" يقول النووي: والمختار أن عمر وعثمان وغيرهما إنما نهوا عن المتعة التي هي الاعتمار في أشهر الحج، ثم الحج من عامه، ومرادهم نهي أولوية للترغيب في الإفراد، لكونه أفضل، وقد انعقد الإجماع بعد هذا على جواز الإفراد والتمتع والقران، من غير كراهة، وإنما اختلفوا في الأفضل منها. اهـ
وروى البيهقي بإسناد صحيح عن سالم قال: سئل ابن عمر عن متعة الحج، فأمر بها، فقيل له: إنك تخالف أباك؟ فقال: إن أبي لم يقل: إن العمرة في أشهر الحج حرام ولكنه قال: أفردوا الحج عن العمرة، فإن العمرة لا تتم في أشهر الحج، إن عمر نهى عن ذلك يبغي فيه الخير، فإذا أكثروا عليه قال: فكتاب الله أحق أن يتبع؟ أم عمر؟ أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أحق أن تتبعوا؟ أم عمر؟ فمراد عمر تفضيل إخلاص أشهر الحج للحج، والاعتمار في غير أشهره، لأن العمرة في أشهر الحج يتمتع بها إلى الحج، والتمتع لا يتم إلا بالهدي والصيام إذا لم يجد هدياً، والعمرة في غير أشهر الحج تتم بلا هدي ولا صيام، فترك التمتع إتمام للعمرة، فكره التمتع.
بقي أن نقول: إن الروايات التي ساقها الإمام مسلم تفيد أن من ساق الهدي لا يتمتع، ولا يحل حتى يحل من الحج والعمرة وينحر هديه، وهو مذهب أبي حنيفة وأحمد وموافقيهما، قال النووي: ومذهب مالك والشافعي وموافقيهما أنه إذا طاف وسعى وحلق حل من عمرته، وحل له كل شيء في الحال، سواء كان ساق هدياً أم لا، واحتجوا بالقياس على من لم يسق الهدي، وبأنه تحلل من نسكه، فوجب أن يحل له كل شيء، كما لو تحلل المحرم بالحج، وأجابوا عن هذه الروايات بأنها مختصرة من الروايات التي ذكرها مسلم بعدها، والتي ذكرها قبلها عن عائشة، قالت: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حجة الوداع فأهللنا بعمرة، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"من كان معه هدي فليهلل بالحج مع العمرة، ثم لا يحل حتى يحل منهما جميعاً" فهذه الرواية مفسرة للمحذوف من الروايات التي احتج بها