(لقد علمت أنك حجر) في الرواية الثامنة والتاسعة "إني لأعلم أنك حجر" وفي الرواية التاسعة "وأنك لا تضر ولا تنفع" خاطب الحجر بصوت مرتفع، ليسمعه الناس، فهم المقصودون بالكلام، ومراد عمر رضي الله عنه إزالة ما قد يخطر على بال الجهال بأن استلام الحجر هو مثل ما كانت العرب تفعله مع أصنامهم، وهو قريبو عهد بذلك، فأراد رضي الله عنه- أن يعلمهم أن استلامه لا يقصد به إلا تعظيم الله عز وجل، والوقوف عند أمر نبيه صلى الله عليه وسلم وأن ذلك من شعائر الحج التي أمر الله بتعظيمها، وأن استلامه مخالف لفعل الجاهلية في عبادتهم الأصنام، لأنهم كانوا يعتقدون أنها تقربهم إلى الله زلفى، فنبه عمر على مخالفة هذا الاعتقاد، وأنه لا ينبغي أن يعبد إلا من يملك الضرر والنفع، وهو الله جل جلاله.
(قبل الحجر والتزمه) أي وثبت عليه، وتعلق به، قال النووي: وفيه إشارة إلى استحباب السجود عليه.
(رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بك حفياً) أي معنياً مهتماً محتفلاً مكرماً.
(يستلم الركن بمحجن) بكسر الميم وسكون الحاء وفتح الجيم، عصا معوجة الرأس، يتناول بها الراكب ما سقط له، ويلتقط بها ما يريد التقاطه. أي فكان يمسح الحجر بالطرف المعوج من عصا في يده، وإذا أطلق الركن أريد به الأسود.
(لأن يراه الناس) أي ركب على راحلته ليسهل على الناس رؤيته صلى الله عليه وسلم، فقد كانوا حريصين على ذلك.
(وليشرف) بضم الياء وسكون الشين وكسر الراء، يقال: أشرف أي علا وارتفع وأشرف على الشيء اطلع من فوق، وتعهده وتولاه.
(وليسألوه) وليسهل عليهم سؤاله عما يهمهم من أمور مناسكهم.
(فإن الناس غشوه) بضم الشين مخففة، أي ازدحموا عليه.
(كراهية أن يضرب عنه الناس) قال النووي: هكذا هو في معظم النسخ "يضرب" بالباء، وفي بعضها "يصرف" بالصاد والفاء، وكلاهما صحيح.
-[فقه الحديث]-
قال النووي: الركن الأسود فيه فضيلتان. إحداهما كونه على قواعد إبراهيم عليه السلام، والثانية كونه فيه الحجر الأسود، وأما اليماني ففيه فضيلة واحدة، وهي كونه على قواعد إبراهيم، وأما الركنان الآخران فليس فيهما شيء من هاتين الفضيلتين، فلهذا خص الحجر الأسود بشيئين: الاستلام والتقبيل، للفضيلتين، وأما اليماني فيستلمه، ولا يقبله، لأن فيه فضيلة واحدة، وأما الركنان الآخران،