للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

(في الجاهلية لصنمين على شط البحر، يقال لهما إساف ونائلة، ثم يجيئون، فيطوفون بين الصفا والمروة) قال النووي: قال القاضي عياض: هكذا وقع في هذه الرواية. قال: وهو غلط، والصواب ما جاء في الروايات الأخرى في الباب "يهلون لمناة" [جاء ذلك في رواياتنا الثانية والثالثة والخامسة] قال: وهذا هو المعروف، قال: و"مناة" صنم كان نصبه عمرو بن لحي في جهة البحر بالمشلل، مما يلي قديداً، وكانت الأزد وغسان تهل له بالحج، وأما إساف ونائلة فلم يكونا قط في ناحية البحر، وإنما كانا فيما يقال رجلاً وامرأة، فالرجل اسمه إساف بن بقاء، ويقال: ابن عمرو، والمرأة اسمها نائلة بنت ذئب ويقال: بنت سهل، قيل: كانا من جرهم، فزنيا داخل الكعبة، فمسخهما الله حجرين، فنصبا عند الكعبة، وقيل: على الصفا والمروة، ليعتبر الناس بهما ويتعظوا، ثم حولهما قصي بن كلاب فجعل أحدهما ملاصق الكعبة، والآخر بزمزم، وقيل: جعلهما بزمزم، ونحر عندهما، وأمر بعبادتهما، فلما فتح النبي صلى الله عليه وسلم مكة كسرهما. هذا آخر كلام القاضي.

وجزم محمد بن إسحق بأن عمرو بن لحي نصب مناة على ساحل البحر، مما يلي قديداً، فكانت الأزد وغسان يحجونها ويعظمونها، إذا طافوا بالبيت، وأفاضوا من عرفات وفرغوا من منى أتوا مناة، فأهلوا لها، فمن أهل لها لم يطف بين الصفا والمروة. قال: وكانت مناة للأوس والخزرج والأزد من غسان ومن دان دينهم من أهل يثرب. فالتحرج على هذا عن الطواف بين الصفا والمروة لكونهم كانوا لا يفعلونه في الجاهلية، والروايتان الثانية والثالثة صريحة في هذا، ففي الثانية "كانوا إذا أهلوا أهلوا لمناة في الجاهلية، فلا يحل لهم أن يطوفوا بين الصفا والمروة" وفي الثالثة "وإنما كان من أهل لمناة الطاغية التي بالمشلل لا يطوفون بين الصفا والمروة" أما على الرواية الأولى -إذا صححنا خطأها، وحذفنا كلمة "على شط البحر" -فقد كانوا يهلون لإساف ونائلة، ثم يجيئون فيطوفون بين الصفا والمروة، فالتحرج على هذا مخافة أن يفعلوا فعلاً يضاهي فعل الجاهلية، تصرح بذلك الرواية الأولى، وفيها "فلما جاء الإسلام كرهوا أن يطوفوا بينهما، للذي كانوا يصنعون في الجاهلية".

قال الحافظ ابن حجر: ويحتمل أن يكون الأنصار في الجاهلية فريقين، منهم من كان يطوف بينهما [على ما تقتضيه روايتنا الأولى] ومنهم من كان لا يطوف بينهما [على ما تقتضيه روايتنا الثانية والثالثة] واشترك الفريقان في الإسلام على التوقف [أي والتحرج] عن الطواف بينهما.

(وإنما كان من أهل لمناة الطاغية التي بالمشلل) "الطاغية" صفة إسلامية لمناة "والمشلل" بضم الميم وفتح الشين وتشديد اللام الأولى مفتوحة اسم موضع قريب من قديد وقيل: ثنية مشرفة على قديد. وقديد -كما سبق- قرية جامعة بين مكة والمدينة.

(فأعجبه ذلك، وقال: إن هذا العلم) قال النووي: هكذا هو في جميع نسخ بلادنا. قال القاضي: وروي "إن هذا لعلم" بالتنوين، وكلاهما صحيح، ومعنى الأول: إن هذا هو العلم المتقن، ومعناه استحسان قول عائشة رضي الله عنها، وبلاغتها في تفسير الآية.

<<  <  ج: ص:  >  >>