للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

-[فقه الحديث]-

قال النووي في المجموع: مذهبنا أن السعي ركن من أركان الحج والعمرة، لا يتم واحد منهما إلا به، ولا يجبر بدم، ولو بقي منه خطوة لم يتم حجه، ولم يتحلل من إحرامه حتى يأتي بما بقي، وإن طال ذلك سنين، وبه قالت عائشة ومالك في المشهور عنه وأحمد في رواية وداود، وقال أبو حنيفة: هو واجب ليس بركن، فيجبر بدم، وقال ابن مسعود وأبي بن كعب وابن عباس وابن الزبير وأنس: هو تطوع، ليس بركن، ولا واجب، ولا دم في تركه. اهـ وهو رواية عن أحمد.

أما القول الأول فدليلهم قول عائشة في روايتنا الأولى "ما أتم الله حج امرئ ولا عمرته لم يطف بين الصفا والمروة" وفي الرواية الثانية "فلعمري ما أتم الله حج من لم يطف بين الصفا والمروة" و"إن الرسول صلى الله عليه وسلم سعى بين الصفا والمروة هو وأصحابه، وقال: لتأخذوا عني مناسككم" كما استدلوا بما رواه الشافعي وأحمد في مسنده والدارقطني والبيهقي من رواية حبيبة بنت تجراه، ولفظه "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أيها الناس. اسعوا، فإن السعي قد كتب عليكم".

ويجيب المخالفون بأن نفي عائشة لتمام الحج والعمرة لا يدل على أن السعي ركن فمن ترك الواجب، بل من ترك المستحب فحجه غير تام، بل فيه نقص عن التمام والكمال، وعلى فرض أنها تريد الركنية فهو رأي لها، واجتهاد منها، لا يلتزم به غيرها، وأما سعي الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه وقوله: "لتأخذوا عني مناسككم" فلا يدل على الركنية، فقد فعل من المناسك ما هو ركن وما هو واجب وما هو مستحب.

وأما حديث "أيها الناس. اسعوا، فإن السعي قد كتب عليكم" ففي إسناده ضعف، لا يحتج به، قال ابن عبد البر في الاستيعاب: فيه اضطراب، وقال ابن المنذر: إن ثبت حديث بنت أبي تجراه أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "اسعوا فإن الله كتب عليكم السعي" فهو ركن قال الشافعي: وإلا فهو تطوع، قال: وحديثها رواه عبد الله بن المؤمل، وقد تكلموا فيه.

ودافع البدر العيني عن مذهب الحنفية، فقال: إن قول عائشة -رضي الله عنها

-[في روايتنا الرابعة] "قد سن رسول الله صلى الله عليه وسلم الطواف بينهما، فليس لأحد أن يترك الطواف بينهما" يدل على الوجوب، ورفع الجناح في الآية ينفي الفرضية، فهو واجب ليس بركن قال ابن قدامة عن مذهب الحنفية: وهو أقرب إلى الحق. أما القول الثالث، وأنه تطوع فيمثله ابن عباس رضي الله عنهما، وقد وضح تمسكه بهذا القول في رواياتنا الخامسة والثمانين من باب وجوه الإحرام، والسادسة والثمانين، والسابعة والثمانين. واحتج القائلون بهذا القول بقوله تعالى: {إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما} وفي قراءة شاذة لابن مسعود -وهي في قوة حديث {فلا جناح عليه ألا يطوف بهما} ورفع الجناح في الطواف بهما يدل على أنه مباح، لا واجب ثم قوله تعالى: {ومن تطوع خيراً} بعد قوله: {فلا جناح عليه أن يطوف بهما} يدل على أن السعي

<<  <  ج: ص:  >  >>