المهلل". "كان يهل المهل منا فلا ينكر عليه، ويكبر المكبر منا، فلا ينكر عليه". "فمنا المكبر ومنا المهلل، ولا يعيب، أحدنا على صاحبه".
قال النووي: في ذلك دليل على استحباب التلبية والتكبير في الذهاب من منى إلى عرفات يوم عرفة، والتلبية أفضل، وفيه رد على من قال بقطع التلبية بعد صبح يوم عرفة.
وأما عن دوام التلبية إلى رمي جمرة العقبة فتتحدث عنه الرواية الأولى، فتقول "لم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبي حتى رمى الجمرة" والرواية الثالثة تقول "ونحن بجمع سمعت الذي أنزلت عليه سورة البقرة يقول في هذا المقام: لبيك اللهم لبيك" ومثل ذلك في الرواية الرابعة وملحقها.
قال الحافظ ابن حجر: وفي هذا أن التلبية تستمر إلى رمي الجمرة يوم النحر وبعدها يشرع الحاج في التحلل، وروى ابن المنذر بإسناد صحيح عن ابن عباس أنه كان يقول: "التلبية شعار الحج، فإن كنت حاجاً فلب حتى بدء حلك، وبدء حلك أن ترمي جمرة العقبة" وروى سعيد بن منصور من طريق ابن عباس قال: حججت مع عمر إحدى عشرة حجة، وكان يلبي حتى يرمي جمرة العقبة".
وباستمرارها إلى رمي جمرة العقبة قال الشافعي وأبو حنيفة والثوري وأحمد وإسحق وأتباعهم. وقالت طائفة: يقطع المحرم التلبية إذا دخل الحرم، وهو مذهب ابن عمر، لكن كان يعاود التلبية إذا خرج من مكة إلى عرفة.
وقالت طائفة: يقطعها إذا راح الموقف، روي عن عائشة وسعد بن أبي وقاص وعلي وبه قال مالك، وقيده بزوال الشمس يوم عرفة، وقال الحسن البصري: يلبي حتى يصلي الصبح يوم عرفة، ثم يقطع.
وأشار الطحاوي إلى أن كل من روى عنه ترك التلبية من يوم عرفة أنه تركها للاشتغال بغيرها من الذكر، لا على أنها لا تشرع، وجمع بذلك بين ما اختلف من الآثار.
واختلفوا أيضاً: هل يقطع التلبية مع رمي أول حصاة؟ أو عند تمام الرمي، فذهب إلى الأول الجمهور، وإلى الثاني أحمد وبعض أصحاب الشافعي. قال الحافظ ابن حجر: ويدل لهم ما روى ابن خزيمة عن ابن عباس عن الفضل قال: "أفضت مع النبي صلى الله عليه وسلم من عرفات، فلم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة، يكبر مع كل حصاة، ثم قطع التلبية مع آخر حصاة" قال ابن خزيمة: هذا حديث، مفسر لما أبهم في الروايات الأخرى، وأن المراد بقوله "حتى رمى جمرة العقبة" [في ملحق روايتنا الثانية] أي أتم رميها. والله أعلم.
-[ويؤخذ من الأحاديث فوق ما تقدم: ]-
١ - من الرواية الأولى، من قوله "ردفت رسول الله صلى الله عليه وسلم من عرفات" استحباب الركوب في الدفع من عرفات.
٢ - وجواز الإرداف على الدابة، إذا كانت مطيقة.
٣ - وجواز الارتداف مع أهل الفضل، ولا يكون ذلك خلاف الأدب.