(فأنزل الله تصديقها) هذا من كلام ابن مسعود، أي تصديق هذه الحالة وتلك المراتب.
(والذين لا يدعون مع الله إلها آخر) المراد من الدعاء النداء أو العبادة أو الاعتقاد.
{ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق} المراد من "التي حرم الله" قتلها، هي المعصومة، وقوله "إلا بالحق" استثناء من عموم الأحوال أي محقين في قتلها.
{ومن يفعل ذلك} الإشارة إلى كل واحد من الذنوب السابقة، لا إلى مجموعها لأن من يفعل واحدا منها يلق أثاما.
{يلق أثاما} أي عقوبة، وقيل:"نكالا" وقيل: جزاء إثمه.
-[فقه الحديث]-
لا خلاف بين أهل الإسلام أن الإشراك بالله أعظم الزنوب على الإطلاق، والجمهور على أن القتل بغير حق أكبر الكبائر بعد الشرك، وأما ما سواهما من الزنا، واللواط، وعقوق الوالدين، والسحر، وقذف المحصنات، والفرار يوم الزحف، وأكل الربا، وغير ذلك من الكبائر، فلها تفاصيل وأحكام ومراتب تختلف باختلاف الأحوال والمفاسد المترتبة عليها.
وإذا كان قتل النفس بغير حق يلي الإشراك بالله فأقبحه قتل الابن، لأنه ضد ما جبلت عليه طبيعة الآباء من الرقة، فلا يقع إلا من جافي الطبع، لا سيما إذا كان القتل عن طريق الدفن حيا كما كانوا يفعلون.
فذكر الولد قيد في كون القتل أقبح، وكون الدافع مخافة أن يطعم معك زيادة في هذا القبح.
ولا خلاف في أن الزنا مطلقا من أقبح وأعظم الذنوب، لكنه قد تلابسه ملابسات تزيد من قبحه، وتضاعف من عقوباته، فمثلا: الزنا بالأم في الحرم في الأشهر الحرم غير الزنا بأجنبية في غير الحرم وفي غير الأشهر الحرم، فللأول عقوبات متعددة (عقوبة كون المزني بها محرما، بل أقرب المحارم، وعقوبة انتهاك حرمة المسجد الحرام، وعقوبة انتهاك حرمة الأشهر الحرم) ولم يأت الحديث بهذا التنظير لأنه فرضي بعيد الوقوع، وإنما نظر بحليلة الجار، لأن الغالب أن الرجل إنما يزاني من قرب مكانه وأمكن لقاؤه، ونبه بالحليلة على عظم حق الجار، وأنه يجب أن يغار المسلم على حليلة جاره من الفاحشة مثل ما يغار على حليلة نفسه، وليس القبح قاصرا على الحليلة، بل يشمل الزنا بأم أو أخت أو بنت الجار، فذكر الحليلة جرى على الغالب. أما ذكر الجار فهو لشدة القبح، لأنه يحمل إثم انتهاك حرمة الجار وإبطالا لحقه، وقد ورد "لأن يزني أحد بعشر نسوة أيسر عليه من أن يزني بامرأة جاره".
وكانت العرب تمتدح بصون حرم الجار، فقال عنترة:
وأغض طرفي ما بدت لي جارتي ... حتى يواري جارتي مأواها