النقطة الثالثة الحلق أو التقصير: وعنه تقول الرواية الحادية عشرة "حلق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحلق طائفة من أصحابه، وقصر بعضهم" وفي الروايات الثانية عشرة والثالثة عشرة والرابعة عشرة والخامسة عشرة أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا للمحلقين مرات وللمقصرين مرة، وفي الرواية السادسة عشرة أن النبي صلى الله عليه وسلم حلق رأسه في حجة الوداع، وفي الرواية السابعة عشرة والثامنة عشرة والتاسعة عشرة والمتممة للعشرين كيف حلق رسول الله صلى الله عليه وسلم الجانب الأيسر، وكيف وزع شعره صلى الله عليه وسلم بين أصحابه، أما جواز كل من الحلق والتقصير فلا خلاف فيه، ولا خلاف كذلك في تفضيل الحلق على التقصير في الحج للتحلل منه، قالوا: لأن الحلق أبلغ في العبادة، وأدل على صدق النية في التذلل لله، لأن المقصر مبق على نفسه من زينته التي قد أراد الله تعالى أن يكون الحاج مجانباً لها، وليبقى أثر وعلامة الحج زمناً أطول، وأفضلية الحلق على التقصير إنما هو في جانب الرجال دون النساء، لورود النهي عن حلق النساء، فقد روى أبو داود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "ليس على النساء الحلق، وإنما على النساء التقصير" وروى الترمذي عن علي رضي الله عنه قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تحلق المرأة رأسها".
وقد سبق في المباحث العربية تحقيق القول في عدد المرات التي دعا فيها صلى الله عليه وسلم للمحلقين، قال النووي: وأقل ما يجزئ من الحلق والتقصير عند الشافعي ثلاث شعرات، وعند أبي حنيفة ربع الرأس، وعند أبي يوسف نصف الرأس، وعند مالك وأحمد أكثر الرأس، وعن مالك رواية أنه كل الرأس، قال: وأجمعوا أن الأفضل حلق جميعه، أو تقصيره جميعه، قال: ويستحب ألا ينقص في التقصير عن قدر الأنملة من أطراف الشعر فإن قصر دونها جاز، لحصول اسم التقصير، قال: ويقوم مقام الحلق والتقصير النتف والإحراق وغير ذلك من أنواع إزالة الشعر. اهـ وقال في المجموع: إذا لم يكن على رأسه شعر، بأن كان أصلع أو محلوقاً فلا شيء عليه، ولا يلزمه فدية، ولا إمرار الموسى، ولا غير ذلك.
ثم قال: وهل الحلق أو التقصير نسك؟ أو استباحة محظور، وليس بنسك؟ وإنما هو شيء أبيح له بعد أن كان حراماً، كالطيب واللباس؟ وعلى هذا لا ثواب فيه، ولا تعلق له بالتحلل؟ قال: والمذهب أنه نسك، يثاب عليه، ويتحلل به التحلل الأول، فعلى هذا هو ركن من أركان الحج والعمرة، لا يصح الحج ولا العمرة إلا به، ولا يجبر بدم ولا غيره ولا يفوت وقته مادام حياً، لكن أفضل أوقاته صحوة النهار يوم الأضحى، ولا يختص بمكان لكن الأفضل أن يفعله الحاج بمنى، والمعتمر بالمروة، فلو فعله في بلد آخر، موطنه أو غيره جاز بلا خلاف، ولا يزال حكم الإحرام جارياً عليه حتى يحلق.
ثم قال: وهذا الذي ذكرناه من أن الحلق أو التقصير نسك هو مذهبنا، وبه قال مالك وأبو حنيفة وأحمد وجمهور العلماء، ولم يقل بأنه ليس بنسك غير الشافعي في أحد قوليه، وحكاه القاضي عياض عن عطاء وأبي ثور وأبي يوسف. اهـ
وتفيد الرواية الثامنة عشرة وملحقها والرواية التاسعة عشرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قسم الجانب الأيمن بين من يليه، بينما تفيد الرواية المتممة للعشرين أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى شعر الجانب الأيمن لأبي طلحة الأنصاري.