كانت تحية المسجد الحرام الطواف كان المناسب للحاج أن يختم أعماله في مكة بطواف الوداع، فأمر صلى الله عليه وسلم أصحابه في حجة الوداع بأن يكون آخر عهدهم بالحرم طواف الوداع، فقال: لا ينفرن أحد ولا يغادر الحرم إلا أن يكون طواف الوداع آخر عهده بالبيت، ورخص صلى الله عليه وسلم للحائض أن تنفر وتسافر دون طواف الوداع مادامت قد طافت طواف الركن، طواف الإفاضة. والله أعلم.
-[المباحث العربية]-
(كان الناس ينصرفون في كل وجه) أي يتوجهون إلى بلادهم دون أن يطوفوا طواف الوداع.
(لا ينفرن أحد) أي لا يذهبن أحد من منى إلى بلده.
(حتى يكون آخر عهده بالبيت) آخر "عهده" اسم كان، و"بالبيت" خبرها والمقصود طواف الوداع، وليس مجرد رؤية البيت أو دخوله، والتقدير: حتى يكون آخر عهده بالطواف بالبيت.
(أمر الناس) بضم الهمزة، مبني للمجهول، والآمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما جاء صريحاً في الأحاديث الأخرى.
(تفتي أن تصدر الحائض قبل أن يكون آخر عهدها بالبيت؟ ) الكلام على الاستفهام الإنكاري، أي لا ينبغي أن تفتي بذلك، لأن زيد بن ثابت كان يقول: لا تنفر حتى تطهر وتطوف بالبيت، ومعنى "تصدر الحائض" بفتح التاء وضم الدال بينهما صاد ساكنة أي ترجع وتنصرف من منى إلى بلدها.
(إما لا فسل فلانة الأنصارية)"ما" زائدة، دخلت على "إن" كما في قوله تعالى {فإما ترين من البشر أحداً فقولي}[مريم: ٢٦]. و"لا" أمالتها العرب إمالة خفيفة، قال ابن الأثير: والعوام يشبعون إمالتها، فتصير ألفها ياء، وهو خطأ، و"لا" في قوة جملة، أي تتضمن جملة وتغني عنها، كما في قولهم: إن زارك فزره وإلا فلا، أي وإن لم يزرك. والمعنى هنا إن لم تقبل فتواي فسل فلانة. والمراد من فلانة الأنصارية أم سليم (بضم السين) الأنصارية، أم أنس فقد روى أبو داود الطيالسي عن عكرمة قال: اختلف ابن عباس وزيد بن ثابت في المرأة إذا حاضت وقد طافت بالبيت يوم النحر، فقال زيد: يكون آخر عهدها بالبيت. وقال ابن عباس: تنفر إن شاءت. فقال الأنصار: لا نتابعك يا ابن عباس وأنت تخالف زيداً. فقال: سلوا صاحبتكم أم سليم. فسألوها فقالت:"حضت بعد ما طفت بالبيت، فأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن انفري. فقالت: وحاضت صفية، فقالت لها عائشة. حبستنا، فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تنفر".