للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

-[فقه الحديث]-

أحاديث عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- في رواياته السبع الأولى تثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في جوف الكعبة، لكن الرواية الثامنة والتاسعة تنفيان أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في داخل الكعبة، والعلماء على الأخذ بحديث عبد الله بن عمر، لأن الرواية التاسعة عن ابن عباس، ولم يكن معهم، ولم يسأل من كان معهم.

أما نفي أسامة فقد أجاب عنه العلماء بأنه يحتمل أن يكون أسامة قد غاب عن النبي صلى الله عليه وسلم لحاجة بعد دخوله، فلم يشهد صلاته، ويدل عليه ما رواه ابن المنذر من حديث أسامة "أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى صوراً في الكعبة، قال: فكنت آتيه بماء في الدلو يضرب به الصور" فقد أخبر أسامة أنه كان يخرج لنقل الماء، وكان ذلك كله يوم الفتح.

وقال ابن حبان: الأشبه عندي أن يحمل الخبران على دخولين متغايرين، أحدهما يوم الفتح، وصلى فيه والآخر في حجة الوداع ولم يصل فيه، وليس بين الخبرين تضاد.

قال الحافظ ابن حجر: وهذا جمع حسن، لكن تعقبه النووي بأنه لا خلاف أنه صلى الله عليه وسلم دخل في يوم الفتح، لا في حجة الوداع، ويشهد له ما رواه الأزرقي في (كتاب مكة) عن سفيان عن غير واحد من أهل العلم "أنه صلى الله عليه وسلم إنما دخل الكعبة مرة واحدة، عام الفتح، ثم حج فلم يدخلها" قال الحافظ: وإذا كان الأمر كذلك فلا يمتنع أن يكون دخلها عام الفتح مرتين، وقد وقع عند الدارقطني من طريق ضعيفة ما يشهد لهذا الجمع. وحمل بعضهم الصلاة المثبتة على اللغوية، والمنفية على الشرعية، وهذه طريقة من يكره الصلاة داخل الكعبة، فرضاً ونفلاً، ويؤيد هذا الجمع ما أخرجه عمر بن شبة في كتاب مكة عن ابن عباس حين قيل له: كيف أصلي في الكعبة؟ قال: كما تصلي في الجنازة، تسبح وتكبر ولا تركع ولا تسجد، ثم عند أركان البيت سبح وكبر وتضرع واستغفر، ولا تركع ولا تسجد. قال الحافظ: وسنده صحيح. وقال القرطبي: يمكن حمل الإثبات على التطوع والنفي على الفرض. قال الحافظ: وهذه طريقة المشهور من مذهب مالك. وقال النووي وغيره: يجمع بين إثبات بلال ونفي أسامة بأنهم لما دخلوا الكعبة اشتغلوا بالدعاء، فرأى أسامة النبي صلى الله عليه وسلم يدعو فاشتغل أسامة بالدعاء في ناحية، والنبي صلى الله عليه وسلم في ناحية، ثم صلى النبي صلى الله عليه وسلم فرآه بلال لقربه منه، ولم يره أسامة لبعده عنه واشتغاله، ثم إنه بإغلاق الباب تكون الظلمة، مع احتمال أن يحجبه عنه بعض الأعمدة، فنفاها عملاً بظنه.

بقي الجمع بين نفي أسامة في روايتنا الثامنة وبين ما جاء من إثباته صلاة النبي صلى الله عليه وسلم داخل الكعبة، فقد وقع عند أبي عوانة عن ابن عمر أنه سأل بلالاً وأسامة بن زيد حين خرجا: أين صلى النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقالا على وجهته، وكذا أخرج البزار نحوه، وفي رواية لأحمد والطبراني عن ابن عمر قال: أخبرني أسامة أنه صلى فيه ههنا".

<<  <  ج: ص:  >  >>