للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

(فما زال يكررها) أي يكرر هذه العبارة، أو هي "شهادة الزور".

(حتى قلنا: ليته سكت) أي حتى قلنا ذلك في أنفسنا دون نطق، أي حتى تمنينا سكوته.

-[فقه الحديث]-

قرن الله تعالى العقوق بالشرك في قوله: {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا} [الإسراء: ٢٣، ٢٤]. وقرن قول الزور بالشرك في قوله: {فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور} [الحج: ٣٠].

أما عقوق الوالدين المحرم شرعا فقل من ضبطه. قال الإمام الشيخ أبو محمد بن عبد السلام: لم أقف في عقوق الوالدين، وفيما يختصان به من الحقوق على ضابط أعتمد عليه، فإنه لا يجب طاعتهما في كل ما يأمران به وينهيان عنه باتفاق العلماء.

وقد حرم على الولد الجهاد بغير إذنهما لما يشق عليهما من توقع قتله أو قطع عضو من أعضائه، ولشدة تفجعهما على ذلك، وقد ألحق بذلك كل سفر يخافان فيه على نفسه أو عضو من أعضائه.

وقال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح في فتاويه: العقوق المحرم كل فعل يتأذى به الوالد - أو نحوه - تأذيا ليس بالهين مع كونه ليس من الأفعال الواجبة. قال: وربما قيل: طاعة الوالدين واجبة في كل ما ليس بمعصية، ومخالفة أمرهما في ذلك عقوق، وقد أوجب كثير من العلماء طاعتهما في الشبهات قال: وليس قول من قال من علمائنا: يجوز له السفر في طلب العلم وفي التجارة بغير إذنهما مخالفا لما ذكرته، فإن هذا كلام مطلق، وفيما ذكرته بيان لتقييد ذلك المطلق.

وضبطه ابن عطية بوجوب طاعتهما في المباحات، فعلا وتركا، واستحبابها في المندوبات وفرض الكفاية كذلك، ومنه تقديمها عند تعارض الأمرين، وهو كمن دعته أمه ليمرضها مثلا بحيث يفوت عليه فعل واجب إن استمر عندها، ويفوت ما قصدته من تأنيسه لها وغير ذلك أن لو تركها وفعله، وكان مما يمكن تداركه مع فوات الفضيلة كالصلاة أول الوقت أو في الجماعة.

أما شهادة الزور أو قول الزور فقد قال ابن دقيق العيد: إن عطف الشهادة على القول ينبغي أن يكون تأكيدا للشهادة، لأنا لو حملناه على الإطلاق لزم أن تكون الكذبة الواحدة مطلقا كبيرة، وليس كذلك، فمراتب الكذب متفاوتة بحسب تفاوت مفاسده. وقال غيره: يجوز أن يكون من عطف الخاص على العام، لأن كل شهادة زور قول زور بغير عكس. قال الحافظ ابن حجر: والأولى ما قاله ابن دقيق العيد، ويؤيده وقوع الشك في ذلك في بعض الروايات، مما يدل على أن المراد شيء واحد، وهو شهادة الزور.

وظاهر قوله صلى الله عليه وسلم في الرواية الثالثة: "ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قال: قول الزور"

<<  <  ج: ص:  >  >>