وعن عدد بنائها يقول النووي في المجموع: ذكر العلماء أن الكعبة الكريمة بنيت خمس مرات. إحداها: بنتها الملائكة قبل آدم، وحجها آدم فمن بعده من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم. الثانية: بناها إبراهيم عليه السلام. الثالثة: بنتها قريش في الجاهلية وحضر النبي صلى الله عليه وسلم هذا البناء قبل النبوة. الرابعة: بناها ابن الزبير كما هو صريح في الرواية الخامسة. الخامسة: بناها الحجاج بن يوسف في خلافة عبد الملك بن مروان واستقر بناها الذي بناه الحجاج إلى الآن. وقيل إنها بنيت مرتين أخرتين قبل بناء قريش. والله أعلم.
-[ويؤخذ من الأحاديث: ]-
١ - من حديث عائشة أنه إذا تعارضت المصالح، أو تعارضت مصلحة ومفسدة وتعذر الجمع بين فعل المصلحة وترك المفسدة بدئ بالأهم، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن نقض الكعبة وردها إلى ما كانت عليه من قواعد إبراهيم عليه السلام مصلحة ولكن تعارضه مفسدة أعظم منه، وهي خوف فتنة من أسلم قريباً.
٢ - على ولي الأمر أن يفكر في مصلحة المسلمين، وأن يجتنب ما يخاف منه ضرر عليهم في دين أو دنيا، إلا الأمور الشرعية كأخذ الزكاة وإقامة الحدود، ونحو ذلك.
٣ - وعليه تألف قلوب الرعية، وحسن حياطتهم لئلا ينفروا، وأن لا يتعرض لما يخاف تنفيرهم بسببه، ما لم يكن فيه ترك أمر شرعي.
٤ - وإذا لم يستطع فعل المصلحة أوصى أن تفعل من بعده، وبلغ من حضر ليبلغ من يستطيع.
٥ - ومن الرواية الثالثة جواز إنفاق كنز الكعبة ونذورها الفاضلة عن مصالحها في سبيل الله. قال النووي لكن جاء في رواية "لأنفقت كنز الكعبة في بنائها"، وبناؤها من سبيل الله، فلعله المراد بقوله في الرواية "في سبيل الله". اهـ
٦ - وتفرع عن كنز الكعبة والاحتفاظ به تحلية الكعبة بالذهب والفضة، وقد حكى الرافعي في ذلك وجهين. أحدهما الجواز تعظيماً لها كما في المصحف، والآخر المنع، إذ لم ينقل من فعل السلف، ورجح الجواز، لأن الكعبة لها من التعظيم ما ليس لبقية المساجد، بدليل تجويز سترها بالحرير والديباج، وفي جواز ستر المساجد بذلك خلاف، وقد وقع في أيام الوليد بن عبد الملك أن ذهب سقوف المسجد النبوي، ولم ينكر ذلك عمر بن عبد العزيز، ولم يزله في خلافته. ثم إن تحريم استعمال الذهب والفضة إنما هو فيما يتعلق بالأواني المعدة للأكل والشرب ونحوهما. وليس في تحلية المساجد شيء من ذلك، وقد قال الغزالي من كتب القرآن بالذهب فقد أحسن. وللحافظ ابن حجر في فتح الباري بحث قيم في كسوة الكعبة، لا يتسع له هذا المقام.
٧ - ومن روايات نقض بنيان الكعبة ودخول جزء منها في حجر إسماعيل عدم صحة الطواف في هذا الجزء. قال النووي قال أصحابنا فإن طاف في الحجر وبينه وبين البيت أكثر من ستة أذرع ففيه