فاختلف جوابه صلى الله عليه وسلم في ترتيب الكبائر التي تلي الشرك لأن كلا مما يليه في بعض الروايات يكون أحق بأن يكون ثانيا في بعض الأحوال.
ولا انحصار لأكبر الكبائر في عدد معين، كما أنه لا انحصار للكبائر كذلك في عدد محدود، فقد سئل ابن عباس عن الكبائر: أسبع هي؟ فقال: هي إلى سبعين (ويروى: إلى سبعمائة) أقرب.
ولا خلاف في تقسيم الذنوب إلى كبائر وأكبر الكبائر، ولكن الخلاف في تقسيمها إلى كبائر وصغائر، فقد ذهبت طائفة منهم أبو إسحاق الإسفراييني إلى أنه ليس في الذنوب صغيرة، بل كل ما نهى الله عنه كبيرة، ونقل ذلك عن ابن عباس وحكاه القاضي عياض عن المحققين، واحتجوا بأن كل مخالفة لله فهي بالنسبة إلى جلاله كبيرة، ونسبه ابن بطال إلى بعض الأشعرية فقال: انقسام الذنوب إلى صغائر وكبائر هو قول عامة الفقهاء، وخالفهم من الأشعرية أبو بكر بن الطيب وأصحابه، فقالوا: المعاصي كلها كبائر، وإنما يقال بعضها صغيرة بالإضافة إلى ما هو أكبر منها، كما يقال: القبلة المحرمة صغيرة بإضافتها إلى الزنا، وكلها كبائر، قالوا: ولا ذنب عندنا يغفر باجتناب ذنب آخر، بل كل ذلك كبيرة، ومرتكبه في المشيئة غير الكفر، لقوله تعالى:{إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء}[النساء: ٤٨] قالوا: وجواز العقاب على الصغيرة كجوازه على الكبيرة.
وذهب الجمهور إلى انقسام الذنوب إلى صغائر وكبائر. قال النووي: قد تظاهرت الأدلة من الكتاب والسنة إلى القول بأن من الذنوب كبائر ومنها صغائر.
وقال الغزالي: إنكار الفرق بين الكبيرة والصغيرة لا يليق بالفقيه.
وقال القرطبي: ما أظنه يصح عن ابن عباس أن كل ما نهى الله عز وجل عنه كبيرة لأنه مخالف لظاهر القرآن في الفرق بين الصغائر والكبائر في قوله: {الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم}[النجم: ٣٢].
وقوله:{إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم}[النساء: ٣١] في المنهيات صغائر وكبائر، وفرق بينهما في الحكم إذ جعل تكفير السيئات في الآية مشروطا باجتناب الكبائر، واستثنى اللمم من الكبائر والفواحش فكيف يخفى ذلك على حبر القرآن. اهـ.
قال النووي بعد اختياره رأي الجمهور: واختلفوا في ضبط الكبيرة اختلافا منتشرا، فروي عن ابن عباس: أنها كل ذنب ختمه الله بنار أو غضب أو لعنة أو عذاب. قال: وجاء نحو هذا عن الحسن البصري.
وقال آخرون: هي ما أوعد الله عليه بنار في الآخرة، أو أوجب فيه حدا في الدنيا، وممن نص على هذا الأخير الإمام أحمد، ومن الشافعية الماوردي.
وقد ضبط كثير من الشافعية الكبائر بضوابط أخرى، منها قول إمام الحرمين: كل جريمة تؤذن بقلة اكثراث مرتكبها بالدين ورقة الديانة. وقول الحليمي: كل محرم لعينه منهي عنه لمعنى في نفسه، وقال الرافعي: هي ما أوجب الحد واستشكل بأن كثيرا مما وردت النصوص بكونه كبيرة لا حد فيه كالعقوق.