للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ومن أحسن الضوابط، وهو الذي تستريح إليه النفس، ما قال القرطبي في المفهم، ونصه: الراجح أن كل ذنب نص على كبره أو عظمه أو توعد عليه بالعقاب، أو علق عليه حد، أو شدد النكير عليه فهو كبيرة. اهـ.

ومما ورد النص بكونه كبيرة (غير ما ورد في حديثنا) السحر، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات، واليمين الفاجرة، والإلحاد في الحرم أو استحلال البيت الحرام، وشرب الخمر، والسرقة، والتعرب بعد الهجرة، وفراق الجماعة، ونكث الصفقة، والغلول، والزنا، والأمن من مكر الله، والقنوط من رحمة الله، والبهتان، والألد الخصم، والمنان، والديوث، ومن غير منار الأرض، والنميمة، والغيبة، وترك التنزه عن البول، والنهبة، ومنع فضل الماء، ومن أتى حائضا أو كاهنا، والتسبب في لعن الوالدين، وما لم يرد فيه نص على كونه كبيرة مع كونه كبيرة لا ضابط له، وما نشك في كونه كبيرة يجب البعد عنه حذرا أن يكون كذلك.

قال الواحدي: ما لم ينص الشارع على كونه كبيرة فالحكمة في إخفائه أن يمتنع العبد من الوقوع فيه خشية أن يكون كبيرة. كإخفاء ليلة القدر. اهـ.

وهذا ومع إيماننا بانقسام الذنوب إلى كبائر وصغائر يجب أن نستشعر أن الذنب قد يعد بالنسبة إلى حق الأقران والزملاء صغيرة، ولكنه في حق الملك يكون كبيرة، والرب أعظم من عصي، فكل ذنب بالإضافة إلى مخالفته عظيم.

ثم إن الإصرار على الصغيرة، والإكثار من الصغائر يجعلها كبائر، لأن نفس الإصرار على العصيان كبيرة، ولأن التكرار أو الإكثار من الصغائر يؤذن بقلة اكتراث مرتكبها بالدين، فقد روي عن ابن عمر وابن عباس وغيرهما رضي الله عنهما: "لا كبيرة مع استغفار ولا صغيرة مع إصرار" قال ابن عبد السلام: وحد الإصرار هو أن تتكرر منه الصغيرة تكرارا يشعر بقلة مبالاته بدينه، إشعار ارتكاب الكبيرة بذلك. أما ما يحمل على فلتات النفس أو اللسان، ولا ينفك عن تندم يمتزج به تنغيص التلذذ بالمعصية فهو صغيرة، على أن ما يعد صغيرة في حق البعض قد يعد كبيرة في حق الآخرين، فهفوة الجهلاء والفاسقين ليست كهفوة العلماء والصالحين، وما لا يعد معصية في حق العامة قد يعد ذنبا في حق الأنبياء، ومن هنا قيل: حسنات الأبرار سيئات المقربين.

-[ويؤخذ من الحديث]-

١ - قال ابن دقيق العيد: يستفاد من قوله: "أكبر الكبائر" انقسام الذنوب إلى كبير وأكبر، ويستنبط منه أن في الذنوب صغائر وكبائر، ولا يلزم من كون الذي ذكر أنه أكبر الكبائر استواؤها، فإن الشرك بالله أعظم من جميع ما ذكر معه.

قال الحافظ ابن حجر: وفي استنباطه من الحديث أن في الذنوب صغائر وكبائر نظر، لأن من قال: كل ذنب كبيرة فالكبائر والذنوب عنده متواردات على شيء واحد، فكأنه قيل: ألا أنبئكم بأكبر الذنوب؟

<<  <  ج: ص:  >  >>