{سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون} هذا جزء الآية الثالثة عشرة والآية الرابعة عشرة من سورة الزخرف، قال تعالى {ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن خلقهن العزيز العليم الذي جعل لكم الأرض مهداً وجعل لكم فيها سبلاً لعلكم تهتدون والذي نزل من السماء ماء بقدر فأنشرنا به بلدة ميتاً كذلك تخرجون والذي خلق الأزواج كلها وجعل لكم من الفلك والأنعام ما تركبون لتستووا على ظهوره ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه وتقولوا سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون} فالآية في ركوب الفلك والأنعام، ويلحق بها كل وسيلة سفر، ومعنى {وما كنا له مقرنين} أي وما كنا له مطيقين، أي وما كنا عليه قادرين بقدرتنا، لولا أن سخرته وذللته لنا. وحقيقة أقرنه جعله أو وجده قرينه، والصعب لا يكون قريناً للضعيف، وحاصل المعنى أنه ليس لنا من القوة ما نضبط به الدابة والفلك، إنما الله تعالى هو الذي سخر لنا ذلك، وضبطه لنا. {وإنا إلى ربنا لمنقلبون} راجعون. وفيه إيذان بأن حق الراكب أن يتأمل فيما يلابسه من السير، ويتذكر منه المسافرة العظمى التي هي الانقلاب إلى الله تعالى، فيبني أموره في مسيرة ذلك على تلك الملاحظة، ولا يأتي بما ينافيها، ومن ضرورة ذلك أن يكون ركوبه لأمر مشروع، وفيه إشارة إلى أن الركوب مخطرة، فلا ينبغي أن يغفل فيه عن تذكر الآخرة.
(البر والتقوى) أي البر بالناس والإحسان إليهم وطاعتك وتقواك.
(وعثاء السفر) بفتح الواو وسكون العين وبالثاء والمد، المشقة والشدة.
(كآبة المنظر) أي تغير النفس من الحزن ونحوه.
(سوء المنقلب) بفتح اللام، أي سوء المرجع، أي الرجوع السيئ في المال والأهل.
(آيبون. تائبون ... إلخ)"آيبون" أي راجعون، وليس المراد الإخبار بمحض الرجوع فهو أمر واضح لا يحتاج إلى إخبار، فيشبه تحصيل الحاصل، وإنما المراد راجعون بهذه الأوصاف التوبة والعبادة وحمد الله.
(والحور بعد الكور) الحور النقص، والكور الزيادة، والمعنى نعوذ بك من النقص بعد الزيادة، وقيل من فساد أمورنا بعد صلاحها، وقيل من البعد عن الجماعة بعد أن كنا معهم. قال النووي في معظم النسخ من صحيح مسلم "الكون" بالنون، بل لا يكاد يوجد في نسخ بلادنا إلا بالنون، وكذا ضبطه الحفاظ المتقنون في صحيح مسلم. قال القاضي وهكذا رواه الفارسي وغيره من رواة مسلم. قال ورواه العذري بعد الكور بالراء. قال النووي كلاهما روايتان، وممن ذكر الروايتين جميعاً الترمذي في جامعه وخلائق من المحدثين، قالوا ورواية الراء مأخوذة من تكوير العمامة وهو لفها وجمعها، يقال كار عمامته إذا لفها وحارها إذا أنقضها، ورواية النون مأخوذة من الكون. مصدر كان يكون كوناً، إذا وجد واستقر، فالمعنى على الراء نعوذ بك من أن تفسد أمورنا بعد صلاحها، كفساد العمامة