للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قال وأما صيد الحرم فحرام بالإجماع على الحلال والمحرم، فإن قتله فعليه الجزاء عند العلماء كافة، إلا داود فقال يأثم ولا جزاء عليه. ولو دخل صيد من الحل إلى الحرم فله ذبحه وأكله وسائر أنواع التصرف فيه، هذا مذهبنا ومذهب مالك وداود، وقال أبو حنيفة وأحمد لا يجوز ذبحه ولا التصرف فيه، بل يلزمه إرساله قالا فإن أدخله مذبوحاً جاز أكله، وقاسوه على المحرم، واحتج أصحابنا والجمهور بحديث "يا أبا عمير ما فعل النغير"؟ وأبو عمير أخو أنس بن مالك لأمه، وكان نغر، بضم النون وفتح الغين، طائر صغير، كالعصفور، له منقار أحمر كان يلعب به، فمات، فدخل عليه النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم، فرآه حزيناً، فقال ما شأنه؟ فقالوا مات نغره. فقال .... الحديث ولا دلالة فيه، فليس فيه أنه دخل من الحل والاحتمال القوي أن ذلك كان قبل تحريم تنفير الصيد فقد روى البخاري عن أنس رضي الله عنه قال كان النبي صلى الله عليه وسلم ليخالطنا، حتى يقول لأخ لي صغير يا أبا عمير وبالقياس على ما إذا دخل من الحل شجرة أو كلأ وهو قياس مع الفارق، كما هو ظاهر، ولأنه ليس بصيد حرم.

ثم قال وتنفير صيده أيضاً حرام، فإن نفره عصى، سواء تلف أم لا، لكن إن تلف في نفاره قبل سكون نفاره ضمنه المنفر، وإلا فلا ضمان. قال العلماء ونبه صلى الله عليه وسلم بالتنفير على الإتلاف ونحوه، لأنه إذا حرم التنفير فالإتلاف أولى.

ثم قال ومعنى الحديث لا تحل لقطته أي لمن يريد أن يعرفها سنة، ثم يتملكها كما في باقي البلاد، بل لا تحل إلا لمن يعرفها أبداً، ولا يتملكها، وبهذا قال الشافعي وعبد الرحمن بن مهدي وأبو عبيد وغيرهم، وقال مالك يجوز تملكها بعد تعريفها سنة، كما في سائر البلاد، وبه قال أصحاب الشافعي، ويتأولون الحديث تأويلات ضعيفة.

-[أما عن النقطة الثالثة فيؤخذ من الأحاديث فوق ما تقدم: ]-

١ - استدل بعضهم بقوله "لا يعضد شوكه" في الرواية الأولى من يقول بتحريم جميع نباتات الحرم، من الشجر والكلأ سواء الشوك المؤذي وغيره. قال النووي وهو الذي اختاره المتولي من أصحابنا، وقال جمهور أصحابنا لا يحرم الشوك، لأنه مؤذ، فأشبه الفواسق الخمس، ويخصون الحديث بالقياس، والصحيح ما اختاره المتولي.

٢ - قد يستدل من يقول بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجتهد في الأحكام بقوله صلى الله عليه وسلم إلا الإذخر ورد بأن هذا محمول على أنه صلى الله عليه وسلم أوحي إليه في الحال باستثناء الإذخر، وتخصيصه من العموم، ومن ادعى أن نزول الوحي يحتاج إلى أمد متسع فقد وهم كما يقول الحافظ ابن حجر، ويحتمل أن إجابته صلى الله عليه وسلم هذه كانت بطريق الإلهام، ويحتمل أنه أوحي إليه قبل الخطبة أنه إن طلب أحد استثناء شيء من ذلك فأجب سؤاله، ويحتمل أن الله كان قد فوض له الحكم في هذه المسألة مطلقاً. وحكى ابن بطال عن المهلب أن الاستثناء هنا للضرورة، كتحليل أكل الميتة للضرورة، ورد عليه بأن الذي يباح للضرورة يمتنع استعماله إلا عند تحقق ضرورته، وليس الإذخر كذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>