كما أجابوا بجواب آخر: قالوا: وإن أردنا بالغني والفقير الولي، فإنه أمر للولي أن يأكل من مال نفسه بالمعروف، ولا يبذر خوف أن يحتاج فيمد يده إلى مال اليتيم، أو أنه أمر الولي أن يقتر على اليتيم خوف أن يحتاج، أو أنه يبيح للولي أن يأكل على وجه السلف، كما قال عمر: أنزلت نفسي في مال الله منزلة ولي يتيم، إن استغنيت استعففت، وإن احتجت أكلت بالمعروف، فإذا أيسرت قضيت.
وهذا الرأي ضعيف وهذه التفاسير بعيدة.
والجمهور على أن للولي أن يأكل من مال اليتيم بقدر عمالته في مال اليتيم، لكنهم اختلفوا، فقال بعضهم: يأكل عند الحاجة، وقال بعضهم: إن كان ذهبا أو فضة لم يجز أن يأخذ منه شيئا، وإن كان غير ذلك جاز بقدر الحاجة، وقال بعضهم: إن خدم المال وقام به أكل بقدر أجرته غنيا كان أو فقيرا، ومذهب الشافعي أنه يجوز للولي أن يأخذ أقل الأمرين من أجرته أو نفقته.
والذي نرتضيه إزاء هذا الاختلاف، وفي هذا العصر الذي لا يكاد يوجد فيه من يعمل في مال اليتيم دون مقابل، أنه يجوز للولي أن يأخذ من مال اليتيم أجر المثل، إذا خدم المال وقام بتنميته واستثماره، وليحذر أن يزيد عن حقه، بل ليأخذ أقل أجر يمكن أن يأخذه مثله مقابل مثل عمله، يؤيدنا في هذا الرأي أن التهديد والوعيد والتخويف إنما هو من أكل مال اليتيم ظلما، وأخذ الأجر مع الاحتياط لا يسمى ظلما، بل حقا وعدلا.
وأما قولة عمر فهي من قبيل الورع، مثلها في قوله تعالى:{فليستعفف} وطلب العفة هنا طلب التورع وفعل الأولى.
والسر في التشديد في أكل مال اليتيم مع أن أكل أموال الناس ظلما من الكبائر أيضا أن اليتيم لا يستطيع الدفاع عن حقه غالبا، كما أن وليه قد منح سلطانا على ماله، والنفس أمارة بالسوء، ثم اليتيم مصاب بفقد والده، فلا يجمع له بين اليتم واغتصاب ماله. ومن هنا كانت رعاية مال اليتيم والعطف عليه من أفضل القربات، ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين" وأشار بالسبابة والوسطى.
٣ - وأما الربا ففي تحريمه يقول الله تعالى:{يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون}[البقرة: ٢٧٨، ٢٧٩]. ولا خلاف بين العلماء في أن الربا من الكبائر (آكله وموكله) ويلحق بهما شاهد الربا وكاتبه لإعانتهما على أكله، وقد جاء في مسلم من حديث جابر:"لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه وقال: هم في الإثم سواء".
وروى الطبري عن قتادة "إن ربا أهل الجاهلية أن يبيع الرجل البيع إلى أجل مسمى فإذا حل الأجل ولم يكن عند صاحبه قضاء زاد وأخر عنه".
وعن مالك عن زيد بن أسلم في تفسير الآية "كان الربا في الجاهلية أن يكون للرجل